Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Géneros
المأخذ الثالث: سكوت صاحب الشريعة وتقريره من غير أن يكون له شعور بالفعل وتفطن به، ومثاله: ما يزعمه بعض أهل الظاهر (¬1) في إسقاط الغسل من الإيلاج من غير إنزال، لما روي عن بعض الصحابة أنه قال: كنا نكسل على عهد رسول الله ولا نغتسل، وفي هذا دلالة على أنه لا يجب الغسل منه، وما هذا حاله من الاستدلال يضعف ولا يلتفت إليه؛ لأن هذا أمر يفعل على جهة الخفية ولم يشعر به الرسول فيقر عليه أو ينكره، والأمر فيه محتمل، فلا يجوز تقرير الحكم بما فيه احتمال، وعن هذا قال عمر رضي الله عنه لمن احتج بهذا، وجرى الخوض بحضرة الصحابة: هل علم رسول الله بذلك فأقركم عليه؟ فقالوا: لا. فرده. فدل ذلك على أن هذه الطريقة غير معتمدة ولا تعويل عليها، ولأن الحجة بما يصدر من جهة الشارع، وهاهنا لم يصدر من جهته شيء أصلا فيعول عليه في كونه شرعا.
المأخذ الرابع: استصحاب الإجماع في محل الخلاف.
فما هذا حاله من الاستدلال غير معتد به؛ لأن حاصل أمره عند التحقيق في الصحة إبطاله، وما هذا حاله من الأدلة فلا عبرة به، وهذا نحو استدلال بعض أصحاب الشافعي في المتيمم إذا رأى الماء وهو في الصلاة، فإنه زعم أنه يمضي فيها ولا يخرج، محتجا بأنا أجمعنا على صحة إحرامه وانعقادها صلاة، فأنا أستصحب هذا الإجماع في إثباتها، فمن زعم أنه برؤية الماء يبطل إحرامه فإنه يفتقر إلى الدلالة.
وقد بطل ما عول عليه من الاستدلال، فإن أصحابنا وأبا حنيفة يبطلونه من جهة أن الإجماع إنما كان منعقدا قبل رؤية الماء فأما مع رؤيته فلا إجماع هناك؛ لأن الإجماع لا يمكن تقريره مع الخلاف، فكأنه أراد أن يصحح الإجماع فأبطله لاستعماله في محل الخلاف، فلهذا قلنا: إن في تصحيحه إبطاله.
Página 185