Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Géneros
والمختار: هو الأول؛ لأن المقلد في هذه الأمور ليس يخلو حاله [إما] أن يكون مقلدا لجميع الفرق المخالفة، أو يكون مقلدا لفريق دون فريق، وباطل أن يكون مقلدا لجميع الفرق، لما يؤدي إليه ذلك من الإعتقادات المتناقضات، فإن منهم من أثبت الصانع ومنهم من زعم نفيه، وما هذا حاله يستحيل الجمع بينهما، وإن قلد بعضا دون بعض ، فإما أن يكون ذلك التخصيص لمرجح أو لا لمرجح، وباطل أن يكون ذلك من غير مرجح؛ لأن اعتقاد أحد الجائزين من غير مرجح يكون باطلا عقلا، وإن كان لمرجح فليس ذلك يكون إلا بالنظر لبطلان ما سواه من الطرق، إذ لا يمكن الوقوف على حقيقة الأمر إلا به، وفيه بطلان التقليد بكل حال وهو المقصود.
فإذا تمهدت هذه القاعدة فلنذكر جواز التقليد من جهة العوام للعلماء في المسائل الخلافية، ثم نذكر من هو أحق بالتقليد في ذلك، فهذان مطلبان نذكر ما يتوجه في كل واحد منهما بمعونة الله تعالى:
المطلب الأول: في بيان جواز التقليد من جهة العوام للعلماء في المسائل الخلافية والأحكام العملية
زعم جماعة من معتزلة بغداد أنه لا يجوز للعامي التقليد في المسائل الخلافية العملية، وقالوا: إن الواجب على العامي هو أن يعرف حكم الحادثة بدليل الشرع الموضوع له، ويحرم عليه التقليد، وحاصل هذه المقالة: إلحاق المسائل الفقهية بمسائل العقائد الدينية، وقالوا على أثر هذه المقالة: إنه إنما يجب عليه الرجوع إلى قول المفتي إنما كان ليعرفه طريقة النظر لا من أجل أنه يتبعه في قوله، إلى هذه المقالة ذهب الجعفران من المعتزلة: جعفر بن حرب (¬1) وجعفر بن مبشر (¬2)، وأما الشيخان: أبو علي الجبائي وأبو عبدالله البصري (¬3) فقد فرقا بين المسائل الشرعية وقالا: إن كان في المسألة الشرعية دلالة قاطعة فإنه لا يجوز للعامي التقليد فيها، ويجب عليه إمعان النظر في تحصيله، وإن لم يكن فيها مسلك قاطع فإنه يجوز له التقليد فيها، وإلى هذه المقالة ذهب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي من أصحاب الشافعي.
والذي عليه أئمة الزيدية والجماهير من المعتزلة والنظار من الأشعرية، هو جواز التقليد في المسائل الشرعية مطلقا للعوام ومن هو قاصر عن النظر كالنساء والعبيد، سواء كان فيها مسلك قاطع أو لم يكن.
Página 169