Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Géneros
اعلم أن هذا الفصل ينبغي الاهتمام بحاله والاعتناء بإيضاحه، لما يشتمل عليه من الفوائد الغزيرة، والنكت الكثيرة. وجملة الأمر أن المسائل منقسمة بالإضافة إلى ما يتعلق بأمور الديانة إلى عقلية ونقلية.
فأما العقلية: فهي ما كان متعلقا بالعقائد الإلهية، نحو العلم بالذات وصفاتها وأحوال الحكمة والوعيد وأحوال المعاد وغير ذلك، وما هذا حاله فالحق فيه واحد والتعبد فيها بالعلم القاطع وما عداه خطأ وجهل، وقد قررناه في الكتب الكلامية.
وأما النقلية: فهي ما كان متعلقا بالسمع لا مجال للعقل فيه. ثم هي منقسمة بالإضافة إلى قطعية وظنية.
فما كان مقطوعا به منها فهي المسائل الأصولية القطعية.
وما كان غير مقطوع به فهي المسائل الظنية الاجتهادية. والمعيار الصادق والفصل الفارق بين ما يكون مقطوعا به فيكون من فن الأصول، وبين ما يكون ظنيا فيكون من الفقه. فما كان المعتمد في تقريره وإثباته مسلك قاطع، إما نص الكتاب وإما نص السنة المتواترة أو الإجماع المقطوع المتواتر أو تصرف العقل وحكمه، فهو قاطع وما هذا حاله فهو لاحق بالمسائل الأصولية والحق فيه واحد، وما عداه محكوم عليه بالخطأ؛ لأن العلم ونقيضه لا يكونان صوابا، بل لا بد من أن يكون أحدهما خطأ وجهلا، وما كان من المسائل مستند إثباته وتقريره مسلك ظني نحو ظاهر الكتاب أو نص السنة الآحادية أو ظاهر نصها المتواتر، أو إجماع منقول بالآحاد أو غير ذلك من المسالك المظنونة، فهو لاحق بالمسائل الظنية الاجتهادية، ولهذا فإن القياس وخبر الواحد وأن الأمر للوجوب والنهي للتحريم كلها معدودة من المسائل الأصوليةح لأن المستند في تقريرها هو الإجماع القاطع والنصوص الواردة الشرعية على إثباتها، ولم تستند إلى مسلك ظني، وعلى هذا يكون ما يكون مستندا إلى الأخبار الآحادية، نحو مسائل الصلاة، وأحوال العبادات والمعاملات من البيع والشراء والإجارات وغير ذلك من المسائل الشرعية، كلها تكون ظنية اجتهادية، ومن ثم قضينا بأن في اللغة لفظة موضوعة للعموم ولوقوع الاشتراك في اللغة بكونها أصولية لما كان مستندها دليلا قاطعا وهو الإجماع، فيكون الحق فيها واحدا، وما لا قاطع فيه فهو من فن الاجتهاد والكل فيه مصيب كما سنوضحه بعد هذا ونفرد له كلاما يخصه.
Página 148