همُّها حفظَها وضبطَها، فوَرَدَها الناسُ وتلقَّوها بالقبول، واستنبطوا منها واستخرجوا كنوزَها، واتَّجَروا فيها، وبَذَرُوها في أرضٍ قابلةٍ للزَّرع والنبات، ووَرَدُوها (^١) كلٌّ بحسبه، ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة: ٦٠].
وهؤلاء هم الذين قال فيهم النبيُّ ﷺ: «نضَّر اللهُ امرأً سَمِعَ مقالتي، فوَعاها، فأدَّاها كما سَمِعَها، فربَّ حامل فقهٍ وليس بفقيه، وربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه» (^٢).
وهذا عبد الله بن عباسٍ ﵄ حَبْرُ الأمة وترجمانُ القرآن مقدارُ ما سمعه من النبي ﷺ لا يبلغُ نحو العشرين حديثًا الذي يقول فيه: «سمعتُ» و«رأيتُ» (^٣)،
وسَمِعَ الكثيرَ من الصحابة، وبُورِك له في فهمه والاستنباط منه
(^١) الأصل: «ورووها»، تحريف. وعلى الصواب في «الوابل الصيب» (١٣٧) وقد نقل هذا البحث دون تصريح.
(^٢) أخرجه الترمذي (٢٦٥٧)، وابن ماجه (٢٣٢)، وأحمد (٤١٥٧)، وأبو نعيم في «الحلية» (٧/ ٣٣١) وغيرهم من حديث ابن مسعود ﵁.
وصححه الترمذي، وابن حبان (٦٦، ٦٨، ٦٩)، وأبو نعيم.
وروي من وجوه أخرى كثيرة تبلغ حد التواتر، وحديث ابن مسعود أصح ما في الباب. انظر: «شرف أصحاب الحديث» (١٨)، و«موافقة الخبر الخبر» (١/ ٣٦٤)، و«مفتاح دار السعادة» (١/ ١٩٦).
(^٣) عقد لها الحميديُّ بابًا في مسنده (١/ ٢٢٠ - ٢٢٨)، ولمحمد عابد السندي: «كشف الباس عما رواه ابن عباس مشافهةً عن سيد الناس» منه نسخة بخطه في التيمورية، انظر: «الأعلام» (٦/ ١٨٠)، و«محمد عابد السندي» لسائد بكداش (٣٤٢).
وانظر للخلاف في عدَّتها: «السنن الأبين» لابن رشيد (١٣٣)، و«تهذيب سنن أبي داود» لابن القيم (٦/ ٣٦٢)، و«فتح الباري» (١١/ ٣٩٠)، و«تهذيب التهذيب» (٥/ ٢٧٩)، و«فتح المغيث» (١/ ٢٧٣)، ومن كتب الأصول: «الفصول» لأبي بكر الجصاص (٣/ ٩٨)، و«أصول السرخسي» (١/ ٣٦٠)، و«التلخيص» للجويني (٢/ ٤٢٣)، و«المستصفى» (٢/ ٢٨٤).