Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Géneros
إن قيمة الوفاء بالعهد مع ظروف قريظة تفقد معناها القيمي، كما سبق وفقدته مع ظروف النضير، وإذا ما استند مسلم اليوم إلى قيمة الوفاء بالعهد فلأنها قيمة عظيمة في ذاتها، وليست لأنها مقررا إسلاميا؛ لأنها في واقع الحال لم تكن كذلك، والإصرار على نسبة كل شأن رفيع وصلت إليه الإنسانية إلى الإسلام قبل أربعة عشر قرنا وربع القرن فيه ظلم لواقعنا وظلم للإسلام في آن واحد. إن القيم هي ما يتوافق عليه الضمير العام في زمن ومكان بذاته ومجتمع بخصوصيته وقد تسمو فيتوافق عليها الضمير العالمي كله، أما الدين فهو أوامر ونواه لا علاقة لها بمفهوم القيم؛ فالقيمة تفترض حرية الاختيار بين بدائل مع فرز بينها وتجنيب لاختيار القيمة الأفضل، بينما الدين فروض وشعائر يحسن احترامها بتركها لزمانها وليست محل اختيار أو مفاضلة.
والحرب فعل سياسي، والسياسة لا تحترم سوى المصالح، وأعلن النبي
صلى الله عليه وسلم
ذلك بوضوح؛ فهي عملية خداع للآخر، ليس في السياسة عهود دائمة ولا قيم إلا إذا وافقت المصلحة، ولا بأس بنقض القيم في شئون السياسة والحرب، لكن إن نقضناها لأن ديننا أباح هذا النقض، وجعل ما حدث بشأن هذه القيمة في تاريخنا دينا كما قال قرضاوي نتعبد بها؛ فهو ما يعني الخروج على معنى القيم جميعا وتدريب النفس والروح على كسر القيم وتبرير ذلك الكسر بالخداع الشرعي المشروع.
هذا ما كان من الأحداث على واقع الأرض في زمن الدعوة، وهذا ما كان من تعقيبنا الذي لا يكذب ولا يتجمل، لكن يعترف بحقيقة الأحداث بهدوء ليتركها لزمانها دون تفعيلها في زماننا، أما قرضاوي فقد عقب على الغزوة بقوله: «النبي سامح في الأحيان وقال لقريش اذهبوا فأنتم الطلقاء، لكنه لم يقل ذلك لبني قريظة، قبل كده سامحهم فجاؤا وتألبوا عليه وألبوا العرب عليه، فلم يكن لهم كلمة». لكنه لا يذكر لنا كيف: (قبل كده سامحهم) ومتى وفي أي حادثة؟ ويرى قرضاوي أنهم: لأنهم «لم يكن لهم كلمة» فقد حقت عليهم العقوبة بالإبادة الشاملة. لكن أخلاقيا أو حتى عسكريا، لماذا؟ يقول قرضاوي لا فض فوه وذبح كارهوه: «أحيانا يكون العفو مطلوبا، وأحيانا يجرئ الظلمة على ظلمهم، والبغاة على بغيهم» (موقع القرضاوي في 29 / 2 / 2008م).
وهو ما يعني إمكانية تكرار الدرس بغض النظر عن قيمة القرضاوي العظمى في الوفاء بالعهد؛ لأن العفو قد يؤدي إلى اجتراء المعفو عنهم على العافي، وأحيانا يجرئ البغاة على تكرار بغيهم، ولأنه (أحيانا) ولأنه (قد)، فقد وجب الذبح الشرعي.
الفصل الخامس
قمة السقيفة كنموذج ثان
لعل أهم السمات الفارقة للعربي البدوي هو الاعتزاز القدسي بالنسب القبلي، حتى إنهم لم يعرفوا أن هناك علما أرقى ولا أهم من علم الأنساب، وكان لديهم متخصصون يرفعون النسب إلى الجد التاسع والعاشر، عارفون بأقدار الناس ما بين النسب الرفيع والنسب الوضيع. ويرتفع النسب وينخفض بحسب عدد أفراد القبيلة، والقدرة القتالية للقبيلة.
عيينة بن حصن الفزاري مثلا لم يكن بمقاييس الرجال أكثر من أحمق جهول، ومع ذلك حسبت له العرب ألف حساب، حتى نبي الإسلام تعامل معه على كفره وفق هذا المعنى، وكان يلقبه بالأحمق الطماع المطاع؛ لأن بإمكانه تجييش عشرة آلاف فارس في لحظة؛ ومن ثم كان تفاوت الأنساب والتفاخر بالنسب إن صدقا أو كذبا مدعاة لسيادة قاعدة عدم المساواة بين الناس كمفهوم أصيل لدى العربي، الذي وضع لعدم المساواة بين الناس علما يصنفهم درجات وطبقات هو علم الأنساب.
Página desconocida