Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Géneros
صلى الله عليه وسلم ، واستجابت قريش وأحلافها العرب لوضع حد لما حدث لتجارتهم وأمنهم على يد المسلمين، مع رغبة أكيدة في الثأر لقتلاها، في حلف عظيم توجهت جيوشه نحو يثرب بغرض توجيه ضربة قاتلة ونهائية تجهز على الوجود الإسلامي في الجزيرة. جيوش جمعت فرسان كنانة وأهل تهامة وأشاوس غطفان وأشداء نجد الذين وتروا في زعامتهم المغدورة، (ولم ينس الفزاريون مقتلة عقيلتهم أم قرفة تمزيقا بين بعيرين على يد زيد بن حارثة، والتي تصورها أفلامنا السينمائية بالعكس، فتجعل من مسلمة فقيرة هي من تم تمزيقها بالبعيرين المتعاكسين على يد الأشرار الكفار، وهو ما يستدعي السؤال حول قيمة الصدق في مشايخ الإسلام، مع صمت كل الفقهاء والشراح والوعاظ عن هذه الكذبة الكبرى) لكن زعيم غطفان الجديد عيينة بن حصن الفزاري ما شغله ثأر أم قرفة قدر ما شغله العائد المادي، فمنحه يهود خيبر ثمر بلادهم لمدة عام كامل، «فلما سمع بهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ضرب الخندق حول المدينة، وكان الذي أشار على رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ضرب الخندق سلمان الفارسي، قال: يا رسول الله كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا» (الطبري، التاريخ، ج2، ص556).
سبق وأخذ النبي في أحد بمشورة شباب المسلمين المتحمسين فخرج إلى عدو أكثر عددا وعدة فهزم المسلمون شر هزيمة؛ لذلك قرر في الخندق أن يأخذ بنصيحة عبد الله بن أبي سلول التي سبق وقالها له في أحد كخبير عسكري، ولم يؤخذ بها حينئذ. قال عبد الله بن أبي سلول: «يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا وأصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم. ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإذا رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا» (السهيلي، الروض الأنف، ج3، ص149).
ومع ذلك فإن كتبنا التراثية لا تني تصف ابن سلول بكبير المنافقين، وذلك لأنه كان صوتا معارضا أحيانا فقط. لكن عندما تعلق الأمر ببلده أحسن النصح مخلصا. إلا أن ما يلفت النظر بشدة أن قريظة لم تقف على الحياد بل أخلصت لعهدها، فأمدت جيش المسلمين بآلات الحفر ونقل الأتربة «فاستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة ومساحي وكرازين ومكاتل» (الحلبي، السيرة، ج2، ص63).
وبينما وصل جيش الأحلاف إلى عشرة آلاف مقاتل، لم تتمكن يثرب بأقصى إمكانات الحشد من جمع سوى ثلاثة آلاف بين كبير وصغير وشاب وحدث، واشتد الحصار على المسلمين فنبأهم الرسول بفتح مدائن كسرى تبشيرا لهم ورفعا لروحهم المعنوية، لكن معارضا آخر لا يمكن احتسابه من المنافقين لأنه من أهل بدر الذين غفر الله لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، هو معتب بن قشير (انظر: ابن هشام، السيرة بشرح السهيلي بالروض الأنف، ج3، ص61) الذي قال: «ألا تعجبون؟ يعدكم الباطل! ويخبركم أنه ينظر من يثرب إلى الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم لا تستطيعون أن تبرزوا؟» (ابن الأثير، الكامل، ج2، ص179). أو في قول آخر: «كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط» (ابن هشام، الروض الأنف، ج3، ص261).
حتى حفر الخندق أثبتت قريظة وعيها الدقيق بموقفها الشديد الحساسية، خاصة بعدما أصبحت بيوتها وحصونها جزءا من الخندق؛ فالخندق يحيط بالمدينة وينتهي عند جبل سلع من طرف كحصن طبيعي يكفيه بعض الرماة، ثم يصل حتى حصن قريظة على حافة المدينة بمواجهة الأحزاب مباشرة؛ لذلك كانت قريظة نقطة ضعف يثرب الوحيدة التي أدركها جميع الأطراف: المسلمون وقريظة والأحزاب، كان يكفي أن تفتح قريظة باب حصنها لتمر عبره الأحزاب لينتهي الأمر كأن لم يكن.
وعى الحلف نقطة الضعف، فذهب حيي بن أخطب الزعيم النضري المطرود إلى أبواب قريظة، فأبى أن يفتح له سيد قريظة كعب بن أسد القرظي، فظل يخاطبه ويذكره وينصحه ويخوفه من المسلمين وكيف جاءه بفرصة قد لا تتكرر للتحرر من سلطان المسلمين، حتى فتح له فدخل، «فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة وفي الغارب حتى سمع له، على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا، لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا، أن أدخل معك في حصنك، حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان عليه، فيما بينه وبين رسول الله
Página desconocida