Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Géneros
ومثله الشيخ قرضاوي يحدثنا عن المجتمع فيقول: «ويقوم ذلك المجتمع على آداب وتقاليد خاصة، تجعله نسيج وحده غير مقلد لغيره ممن بعد عنه زمانا أو بعد عنه مكانا» (ملامح المجتمع، مكتبة وهبة، ص109). وفي كتابه (الإخوان المسلمون، مكتبة وهبة، 1999م) يقول الشيخ قرضاوي ناقلا عن سيده حسن البنا، واصفا المجتمعات غير المسلمة: «من أهم الظواهر التي لازمت المدنية الإلحاد والشك في الله وإنكار الروح ونسيان الجزاء الأخروي، والإباحية والتهافت على اللذة والتفنن في الاستمتاع وإطلاق الغرائز، والأثرة في الأفراد، فكل إنسان لا يريد إلا خير نفسه، والربا والاعتراف بشرعيته واعتباره قاعدة للتعامل، وقد أنتجت هذه المظاهر المادية البحت في المجتمع الأوروبي فساد النفوس وضعف الأخلاق، والتراخي في محاربة الجرائم، فكثرت المشكلات وظهرت المبادئ الهدامة، وأثبتت المدنية الحديثة عجزها التام عن تأمين المجتمع الإنساني، وفشلت في إسعاد الناس» (ص139-140). وهو ما يكرره قرضاوي بعد ذلك كمسلمات في معظم كتبه؛ فهو مثلا يقول في كتاب (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده، مكتبة وهبة، 2001م): «إن المجتمع المسلم متميز عن سائر المجتمعات بمكوناته وخصائصه؛ فهو مجتمع رباني إنساني أخلاقي متوازن، والمسلمون مطالبون بإقامة هذا المجتمع حتى يمكنوا فيه لدينهم ويجسدوا فيه شخصيتهم، ويحيوا في ظله حياة إسلامية، تقودها المفاهيم وتحملها الآداب الإسلامية، وتهيمن عليها القيم الإسلامية، وتحميها التشريعات الإسلامية، وتوجه اقتصادها وفنونها وسياستها التعاليم الإسلامية» (ص7).
انظر حركات الشعوذة وأساليب الحواة الرخيصة والثلاث ورقات، إن الفقيه المسلم التقي الورع يسم غير المسلمين جميعا بكل نقيصة أخلاقية يعددها واحدة فواحدة، وذلك كي تظهر الفروق بين المجتمع المسلم والمجتمع غير المسلم، ثم يمنح المجتمع المسلم كل الصفات الإيجابية لأنه مجتمع رباني إنساني متوازن ... إلخ ... إلخ، ثم تكتشف فجأة أن هذه المقارنة تتم بين واقع غير المسلمين، وبين المجتمع المسلم الذي يطالبنا الشيخ بإقامته؛ فهو مجتمع غير قائم بالفعل، مقارنة بين واقع أهل الغرب، وبين وهم وحلم بمجتمع غير موجود بيننا. ناهيك عن عنوان الكتاب المخصص لبيان (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده)، الشيخ قرضاوي بعد مضي ألف وأربعمائة سنة وربع القرن ونيافة عليه، جاي النهارده يبحث لنا عن ملامح المجتمع المسلم المزمع إيجاده إن شاء الله؛ لأنه ما زال في مرحلة التمني؛ فهو «الذي ننشده»، فكم من القرون سننتظر يا ترى؟ هل هناك خلل فادح في أخلاق المسلمين كذبا على الذات أظهر من هذا وأجلى؟ هذا الرجل من كبار أولي الأمر ولفتاواه أثرها الجليل الذي نراه اليوم في مجازر العراق وغيرها من بلاد المسلمين وغير المسلمين. فانظر إلى ما يعتور قوله المدهش دون أن يشعر هو ولا أتباعه بأي عوار ولا بأي دهشة!
ثم يكرر قرضاوي عاطفا مقارنا بين المجتمع غير المسلم والمجتمع المسلم الوهمي المتخيل، فيعطينا وصفا لهذا المجتمع المسلم، حشده بطول كتابه وما أطول كتبه من حيث المساحة، سأحاول هنا العثور على ما أجمله فيها من عبارات بلسانه: «فهو مجتمع العدل والإحسان والبر والرحمة والصدق والأمانة والصبر والوفاء والحياء والعفاف والعزة والنجدة والسخاء والشجاعة والإباء والشرف والبذل والتضحية والمروءة والنجدة والنظافة والتجمل والقصد والاعتدال والسماحة والحلم والتضحية والتعاون والغيرة على الحرمات والاستعلاء عن الشهوات والإيثار للغير والإحسان للخلق كافة وبر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الجار، والإخلاص له والتوبة إليه والتوكل عليه. مجتمع يحرم كل الرذائل والأخلاق الرديئة فيجعلها في مرتبة الكبائر، فيجرم الخمر والميسر والزنا والشذوذ الجنسي ويحرم عقوق الوالدين وإيذاء الآخرين باليد أو باللسان ويجعل من خصال النفاق الكذب والخيانة والغدر وإخلاف الوعود والفجور في الخصومة» (ص90-91).
وهكذا حشد الشيخ كل ما تفتقت عنه قريحته من أحلام بدوية على قيم حداثية على فضائل متخيلة، للمجتمع المنشود الذي سيقيمونه عندما يتمكنون في الأرض، يمني به المسلمين أماني وأحلاما بالمدينة الفاضلة التي لم تقم على الأرض يوما، ويتفاخر به على قيم وأخلاق الكفرة العراة الفساق الفجرة؟! فخر بما لا يملك في الواقع بدليل أنه يتمناه ويرسم له الخطط، فخر العربي الكاذب الفقير الجاهل القليل المريض العاري القائل:
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا
شاعر آخر عبر عن قيم العروبة في العداء الصفري بقوله:
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
فيعطيه الواقع القبر دون العالمين.
Página desconocida