Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Géneros
لقد عادت مصر إمارة إسلامية تتحرك حسب المزاج الحجازي حتى في سياساتها الخارجية، وتابعا غير كريم لخلافة غير شرعية.
الفصل الثالث
الدولة الوهم
يورد ابن عبد ربه في عقده الفريد (ج2، ص84) نص رسالة نبي الإسلام إلى وائل بن حجر الحضرمي كبير أقيال حضرموت، خاطبهم فيها بلغتهم الشديدة الخصوصية، التي لم تتأثر كثيرا بلغة قريش لبعدها المكاني ولتراثها القديم الخاص، تقول الرسالة النبوية: «من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة (أي أصحاب الممالك المستقرة)، والأرواع (أي حسان الوجوه) المشابيب (أي السادة) من أهل حضرموت، بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، في التيعة (التيعة عدد 40 من الشياه)، لا مقورة الألياط ولا ضناك (المقورة هي مسترضية الجلد، والألياط هي عيدان العظم؛ أي لا يكون جلدها مسترخيا لاصقا بعظمها والمعنى كثير اللحم). وانطوا (أعطوا) التيجة (أي الوسط) والتيمة (الداجنة)، لا خلاط ولا وراط ولا شغار، ومن أجبى فقد أربي (أي أن بيع المحصول قبل نضوجه ربا)، وكل مسكر حرام.»
كانت هذه رسالة النبي إلى أهل حضرموت يدعوهم فيها إلى اعتناق دعوته والاعتراف بسيادته بإرسال ضريبة المال إلى العاصمة يثرب. وشرحت أهم اهتمامات الدين الجديد فبدأت بالأهم ثم المهم، بدأت بالصلاة، ثم توقفت مع الزكاة طويلا شارحة مفصلة المطلوب من ضريبة المال، ثم بيان حرمة الربا والخمر في جملتين لا غير.
الملحوظة الأهم أن الرسالة لم تطلب من أقيال حضرموت واليمن الخضوع السياسي؛ لأن النبي كان نبيا لا مقيما لدول وحكومات، الرسالة طلبت الخضوع الديني دون أن تتدخل في الشكل السياسي والإداري القائم في بلادهم. بل مع اعتراف لتلك البلاد بالاستقلال السياسي واستمرار هذا الاستقرار باعتراف الرسالة لأقيالها العباهلة الأرواع المشايب، وهو تكرار وترداد لمعاني السيادة والبروز والقيادة مصحوبة باحترام واضح، ولم يأخذ عليهم شيئا في طريقة عيشهم ولا نظام حكمهم بل اعترف لهم به وكرمه بالمديح.
كتاب آخر ضمن رسائله إلى ملوك وحكام عالم زمانه يدعوهم فيها إلى الإسلام، كان كتاب النبي إلى قيصر الروم، وهو كما أورد نصه الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه (محمد) ص308، يقول نصا: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين (رعيته).
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .»
والملاحظات هنا تقفو بعضها بعضا؛ فالنبي خاطب هرقل معظما له بوصفه (عظيم الروم)، ولم يقل عن نفسه إنه عظيم العرب؛ لأن النبي كان نبيا لا ملكا، هرقل رجل دولة وسياسة تجوز له مثل تلك الألقاب التفخيمية. ولأن النبي ما كان منشغلا بالأمر كرجل سياسة مثل هرقل، إنما كان منشغلا بتبليغ ما أمره الله بتبليغه ليس أكثر ولا أقل ودونما تفريط أو إفراط، فإن النبي لم يطلب من قيصر التبعية السياسية ولا تغيير أنظمة الحكم الرومانية السياسية أو الاقتصادية أو الإدارية إلى نظام حكم إسلامي، لعدم وجود هذا النظام، فلم تكن الدولة وأنظمة الحكم ضمن اهتمامات الإسلام ونبيه، كل ما طلبه هو ما كلفه ربه به، الدعوة إلى الإسلام فقط!
لم يقل لهرقل «القرآن دستورنا» لأن الروم هم أعرف الناس بالدساتير، وكان لهم دستورهم وقانونهم الديمقراطي قبل ظهور الإسلام بألف عام، ولأنهم في هذه الحال كانوا سيطلبون الاطلاع على هذا الدستور الجديد ليقارنوه بدستورهم ويفيدوا منه إن تيسر ذلك، كما سبق وأفادوا من اليونان بإرسال البعثات لدراسة التجربة اليونانية السياسية والقانونية لإتمام كتابة دستورهم. هذا بينما القرآن نفسه لم يكن قد اكتمل بعد عند إرسال تلك الرسائل، وكان مفرقا في صدور الصحابة وعلى العظم واللخاف والعسيب والرق والأحجار.
Página desconocida