Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Géneros
إذا كان قرضاوي صادقا، إذن فليسمح لشخصي الضعيف المتواضع بمنازلته في لقاء حول دولته الإسلامية المرتقبة، في قناته المفضلة التي يمتلك نصفها أو في أي فضائية تناسبه، وليحشد لي ويجهز ويرتب وله الاستعانة بصديق أو بمن يريد، وسأذهب مفردا لا أملك سوى فكرتي وحدها، ويقيني الوحيد أن الصدق منجاة والكذب مهلكة. ولنطرح الأمر أمام الناس ولن نجد قاضيا نطمئن إليه ونحترم أفضل من هؤلاء الناس، رغم أن قرضاوي يستنكر أن يكون الناس حكما في مثل تلك الشئون، وهو عالم أنه يتحدث عما يمس مصالح ومصير هؤلاء الناس؛ لذلك أراهم من جانبي هم أفضل قاض يمكن الاحتكام إليه في هذا الشأن. ورغم أن هؤلاء الناس قد تم تحشيدهم سلفا ضدي وضد كل العلمانيين ملحدين ومؤمنين، إلا أني كلي ثقة بثاقب نظرة الناس؛ لأنهم يستطيعون تمييز الطيب من الخبيث والكذب من الصدق ونظافة الضمير من تشوهه، أسلحتي ستكون الحجة والبرهان وأدلتي الصدق ومبتغاي وجه البلاد والعباد، فليحاجني الشيخ إذن عيانا بيانا لننتهي من هذه المنطقة على الأقل، بحل نهائي يرضي كل الأطراف بهزيمة أحد الطرفين في صراع فكري محترم، حتى يمكن الانتقال بالمجتمع إلى حلول لمشاكل أخرى، فنكون منتجين منجزين فاعلين. لننتقل من المشاكل الوهمية إلى الحقيقية، بحل لا يصارع طواحين الهواء، ننتقل من الجدل البيزنطي إلى الحسم والبناء على أسس سليمة تم التوافق عليها، أو بفوز يحسمه أحد الطرفين لمصلحة قضيته ورؤيته، ولا بأس هنا من مشاركة تفاعلية من مختلف الأطياف تغني الحوار وتثريه، ولتكن بداية لطرح مشاكلنا على طاولة مفتوحة على الناس نحو توافق اجتماعي متين.
نعود نتابع إصرار الشيخ على ما يقدمه من حلول لإصلاح شأننا المتردي، فيقولها واضحة جلية قاطعة في جملة مفيدة موجزة «إن هذه المنطقة العربية لا تستكمل سيادتها واستقلالها إلا بالرجوع للشريعة الإسلامية.»
الشيخ يعود إلى المنطقة العربية التي هي من الأوثان كما سبق ووصفها ليخصصها في حديثه بحسبانها ناقصة السيادة والاستقلال، رغم أنها في مجموعها دول مستقلة عدا فلسطين، والعراق بشكل مؤقت. فينشغل بهذا الوثن دون بقية بلاد المسلمين، ولا ينشغل بالناس في تلك البلاد بقدر ما ينشغل بالوثن نفسه، بالسيادة العربية المستقلة، بغض النظر عن حال عباد الله تحت سلطان تلك السيادة العربية المستقلة. المهم أنه لا يرى سبيلا لاستقلال الوثن العربي واستكمال سيادته الوثنية «الوطنية»، إلا بتحكيم الشريعة الإسلامية في رقاب الخلق (العرب دون بقية المسلمين في بقاع الأرض) ما علينا، المهم هو أن سبيل السيادة والقوة هو تحكيم الشريعة في أي حتة أرض ممكنة كخطوة نحو التمكين.
الشيخ وإخوانه لديهم دائما أداة الاستدراك «لكن» وأخواتها، فيستدرك استدراكا مفزعا حقا فيقول: «لكن على أن تصاغ الشريعة صياغة جديدة!» (4) لماذا يا شيخ؟
وكيف السبيل إلى ذلك وهي شريعة من عند الله وليست من عند العباد، أي أنها كلمة الله التي لا تقبل تبديلا ولا تعديلا كما تصر أنت على إعلانه في كل مناسبة؟ ولا مجال في الشريعة لكل أغانيكم عن الشورى والبيعة الديمقراطيتين لأن الشريعة أوامر ونواه لا شورى فيها لأحد ولا رأي لمخلوق؛ لذلك تسمى حدود الله، ويبدو أنها في نظركم قد أصابها العوار والعيوب، فأصبحت ليست بحاجة للتجديد أو الترقيع أو إعادة التفسير والتأويل، إنما هي ويا لهول ما قال، بحاجة «أن تصاغ صياغة جديدة»! فأين يرى الشيخ هذه العيوب تحديدا؟ هل هي في أحكام الرق؟ أم تراها في أحكام الردة؟ وربما تكون في أحكام الحدود بالعقوبات البدنية كالجلد والقطع؟ أو هي في الأحكام الإسلامية بقياسها على ما نفهمه اليوم من حقوق الإنسان؟ أم هي في الخداع المسمى بنوكا إسلامية؟ أم هي في الاقتصاد الإسلامي برمته؟
الباب مفتوح إذن لكل الاحتمالات، خاصة مع استطراده وهو يؤكد «إعادة الصياغة للشريعة» بقوله: «إنها ستكون صياغة جديدة تصوغها عقول تجعلها في شكل نظريات، ونجدد هذه الأحكام، هم فاهمين أننا نروح نجيب الأحكام القديمة كما هي ونطبقها؟! هذا لا نقوله، ولا يقول به عاقل.»
الشيخ أورد أكثر من قولة حق؛ فالشريعة الإسلامية غير مصوغة في شكل منظومة نظرية قانونية متفق عليها حتى تاريخه؛ لذلك هي في حاجة إلى عقول تجعلها في شكل نظريات. والحقيقة الأخرى هي ثبات أحكام الشريعة القديمة وتكلس مفاصلها وجمودها دون تجديد طوال العصور الماضية. حتى وصل حال الشريعة الإسلامية إلى درجة أن الشيخ وصف من يستدعيها اليوم بأنه مجنون مخبول معتوه، فهذا «لا يقول به عاقل.»
إذن ...
تعظيم سلام للجدعان!
نحن مع هذا الفقيه المعتدل نجدنا بحاجة أولية وأساسية لصياغة الشريعة الإسلامية من جديد، حتى يمكن تطبيقها عند قيام دولة الإسلام في الأرض. نحن بحاجة لإعادة صنع «صياغة» الشريعة، وتلك الصياغة ستقوم بها عقول بشرية لا وجود فيها لوحي ولا مكان فيها لجبريل ولا قدسية فيها لقول ولا لرأي.
Página desconocida