تنمو البنت إلى سن البلوغ ثم يقف نموها بعده بزمن يسير. أما الولد فيكاد يبدأ كماله بعد تلك السن. وتلك حجة من الطبيعة على أنها لا تهيئ المرأة لأكثر من التناسل، وأن للرجل عملا غير التناسل لا بد له من نمو خاص في بنيته.
للمرأة واجب ندبتها له الطبيعة. إذا هي قامت به فليس بضائرها بعد ذلك بعدها عن مقارفات الأرزاق ومشاغل الأسواق.
فهذا المجتمع معركة ضروس. والنساء فيه آسيات جروحه وضامدات كلومه وجابرات كسوره، فكيف به وقد طرح آسياته المراهم واللفائف، وتبدلن منها الخناجر والقذائف. ثم برزن للنضال بين المتناضلين! أعوذ بالله! إن المجتمع ليكونن ساعتئذ كأنه قطيع من الذئاب قد أضراه الجوع والسعار، فانبعث عاديا عاويا يتخطف كل من مسه الكلال فوقع من بينه معيى في بعض الطريق.
قال بيرون: «من صدر المرأة تستروح أول نسمات حياتك. ومن بين شفتيها تلتقط أحدث ما تتمتم به من حروف كلماتك. وإنها لتمسح أول ما تندى به عينك من العبرات. ثم إنها لتتلقف آخر ما يصعده الإنسان من الزفرات. يوم يزهد فيه الرجل ويعرض عنه العواد ساعة الأجل.»
ولكن المرأة لا تود اليوم أن تكون أما أو زوجا، ولا يحلو لها أن تخفف لوعة الحزانى وترفه عن المتعبين، لأنها ألفته عملا لا يحسن إلا بالجواري والإماء.
ولقد تابعتها بعض الحكومات في هذه البغية، وطاوعتها في الطموح إلى ما تدعوه بالحرية؛ فأباحت لها من المناصب والأعمال ما كانت لا تبيحه من قبل لغير الرجال. وكلها تجارب وأطوار سوف تفضي يوما من الأيام إلى الجادة المثلى والغاية الحسنى. وتنتهي لا محالة إلى لم شمل العائلة وحفظ كيانها سواء على الوضع المألوف أو على وضع آخر مستحدث.
هذا إذا لم يكن في نية الزمن أن يأتينا غدا بجيل لا عائلة فيه. ولعله آخر ما يشهد الإنسان من عجائب الأزمان.
جاء في مقال شوبنهور:
شرح أرسطو في سياسته ما حاق بأهل اسبرطة من جراء تساهلهم مع نساء عشيرتهم وتخويلهن حق الوراثة والبائنة ومنحهن قسطا كبيرا من الحرية. وبين كيف أن هذا التساهل كان سببا من أسباب سقوط اسبرطة واضمحلالها. وما لنا لا نقول نحن إن نفوذ النساء الذي أخذ يمتد ويشتد في فرنسا منذ أيام لويس التاسع عشر كان سر ذلك الخلل الذي ألم بالبلاط والحكومة تدريجا وما زال بهما حتى أفضى إلى الثورة الأولى وما جرت إليه من القلاقل والأهوال.
ولقد أراد النساء اليوم أن يمثلن هذا الدور أو ما يشبهه، ولكن على ملعب أوسع جدا من ذينك الملعبين، أي على ملعب العالم بأسره.
Página desconocida