El hombre, el pináculo de la evolución
الإنسان قمة التطور
Géneros
ولكن هذا خطأ فادح من فرويد؛ لأن الحب الجنسي في صميمه افتراس وأكل ونهم، يدل على هذا أن كثيرا من الأحياء يختلط فيها الافتراس بالتعارف الجنسي كما نرى في العناكب والعقارب حين تأكل الأنثى الذكر بعد الاجتماع، وأحيانا قبله إذا استطاعت، ويحدث أحيانا كثيرة أن الذكر من الحيوانات العليا يقاد إلى الأنثى في حدائق الحيوان للتقليح، ولكنه بدلا من أن يلقحها يفترسها، والعض مألوف في الاجتماعي الجنسي، وهو إيماءة الأكل، والكلمة الفرعونية التي تدل على الأكل هي نفسها التي تدل على القتل، والكلمتان العربيتان «قتل» و«أكل» قريبتان، والنهم إلى الأنثى يشبه النهم إلى الطعام، والاجتماع الجنسي يتم أحيانا بين الذكر والأنثى بلا أدنى حب.
وكثيرا ما توقظ عاطفة الغضب على الزوجة وضربها والتغلب عليها، العاطفة الجنسية، وهذا معروف بين الطبقات الدنيا من العامة، بل كثيرا ما يحدث في الأحلام أن يتخذ العدوان لون التعارف الجنسي، وفي الأميبة الأولى يجري الحب «الجنسي» بالاندغام؛ أي: تندغم إحدى الخلايا في الأخرى كما لو كانت كل منهما تأكل الأخرى.
وليس كذلك الحب من الأطفال لأمهم أو من الأم لأطفالها؛ لأننا هنا نجد شيئا آخر غير العدوان والافتراس والنهم والأكل نجد الرحمة والحنان والرقة والعطف. •••
والعائلة الأولى هي عائلة الأم؛ لأن الأب لم يكن يرضع الأطفال، فكان غريبا عنهم حين كانت الأم حميمة العلاقة بهم، وقد مضى على الإنسان آلاف السنين وهو لا يعرف القيمة الفسيولوجية للاجتماع الجنسي بين الرجل والمرأة، ولذلك كانت الأم هي كل شيء في العائلة ولا تزال في اللغات كلمات تدل على ذلك، منها كلمة «ذوي الأرحام» للقرابة، وكذلك كلمة «حياة» التي اشتقت من الحيا وهو عضو التناسل في المرأة، ولا تزال هناك شعوب باقية إلى عصرنا تعتقد أن الأب ليس له أدنى تدخل في حمل المرأة، وأن هذا الحمل يأتي للمرأة من أرواح البحر التي تنصب على رأسها في الليل ثم تهبط أجنة من الرأس إلى الرحم، وكتاب مالينوفسكي «الحياة الجنسية بين المتوحشين» هو وصف مسهب لأحد هذه الشعوب في ميلانيزيا في الجنوب الشرقي من القارة الآسيوية، ولم يعرف الإنسان قيمة الرجل في التناسل إلا بعد أن استأنس الحيوانات وصار يستكثر منها بالتلقيح.
فالأم هي التي أوجدت العائلة البشرية للرباط الطبيعي بينها وبين الأطفال وهو الرضاع، وبقي البشر ملايين السنين، ثم بعد ذلك مدة غير قصيرة في عصور الحضارة الأولى، وهم يعتقدون أن الأم هي الأصل الوحيد للتناسل، حتى كانوا يصنعون تماثيل للحيا «أصل الحياة» ويحملونها على أجسامهم عوذة أو تميمة تقيهم من الموت؛ لأن هذا العضو الذي ولدنا منه هو أصل الحياة، فما دمنا نحمل تمثاله من طين أو حجر فإننا لن نموت، وهناك ما يرجح أن الودعة قد امتازت بخصائص سحرية لهذا السبب؛ أي: لأنها تشبه الحيا، وقد انحدرت إلينا الودعة وانحطت مكانتها فلم تعد لها غير خصائص غيبية في الحظ والطالع عند العامة، كما لا يزال يحملها الصبيان لمنع العين.
ويدلنا التاريخ القديم لكل أمة تقريبا على أن الانتساب للأم كان شائعا، والأسماء العربية القديمة تدل على هذا أيضا، والأقارب في العصور القديمة هم عائلة الأم؛ أي: الأخوال وليسوا عائلة الأب، والولد في التاريخ القديم كان ينتمي إلى أخواله وليس إلى أبيه أو أعمامه بل كانت القبائل تنتسب إلى النساء دون الرجال، وقد وصف مالينوفسكي الذي أشرت إليه القرابة في النظام الأمومي وأوضح أنها للأخوال، وأن الأب يعد غريبا.
وقد وصف هيرودتس شعوبا كثيرة بدائية النظام الاجتماعي ووجد فيها هذا النظام الأمومي؛ أي: أن الأم هي الأصل للعائلة، وهناك ما يدل على أن العائلة المصرية القديمة كانت أمومية، ولعل الضد عند العرب هو بقية هذا النظام.
والإنسان البدائي الذي لم يستقر على زراعة بل كان يعيش جائلا يبحث عن الجذور والأثمار ويصيد صغار الحيوان، هذا الإنسان كان شيوعيا بدائيا يجد في الغابات والسهول ملكا شائعا لنوعه ليس لأحد اختصاص بجزء منه، وفي هذا الحال تقتصر العائلة على الأم وأولادها، وليس للأب سوي قيمة الرفيق الصديق الذي يمكن الاستغناء عنه.
ثم ينشأ النظام الأبوي للعائلة بعد ذلك؛ أي: حين تتألف القبائل وتحتاج إلى الغزو والقتال؛ لأنه هنا ترتفع قيمة الرجل لكفاءته في الغزو والقتال وتنخفض قيمة المرأة، ولعل أول الغزو كان لسبي المرأة وفي هذه الحال؛ أي: حين تسبى المرأة، يتغير النظام العائلي، فبدلا من أن يكون أموميا يعود أبويا، فإذا نشأت القبيلة لأجل السبي الجماعي أو إذا كانت الغاية من الغزو خطف الخراف أو الأبقار المدجنة فإن مركز المرأة ينحط كثيرا في العائلة، وهي وقت الغزو تؤخر وتحمى وتعود عبئا على الرجال؛ إذ هم يخشون أن تغزى هي وتسبى، وعندئذ يتأكد المركز العالي للرجل في العائلة وتخلص صفتها الأبوية.
وصفات الحرب هي الآن صفات الرجولة، والسبي يؤدي في النهاية إلى الضرار؛ أي: إلى تعدد الزوجات، كما كان النظام الأمومي للعائلة قبل ذلك يؤدي إلى الضد؛ أي: تعدد الأزواج.
Página desconocida