El hombre, el pináculo de la evolución
الإنسان قمة التطور
Géneros
ولكن هذه بدايات فقط في الليمور لأنها غير تامة، فإن عينيه لم يتقاربا التقارب البشري، وهو لا يزال يمشي على أربع مع القدرة على الوقوف والتسلق، فإذا انتقلنا من الليمور إلى الطرسير، وهو حيوان ليلي كالبومة وجدنا تقارب العينين، ووجدنا ميزة أخرى هي أنه لا يمشي ولكنه يثب على قدميه كما نثب نحن حين نكون مقيدين، وهذا الوثب قد انتفعنا به؛ لأنه نقل عبء الجسم من أصابع القدمين إلى رسغيهما، فكانت القامة العمودية.
وظهر الطرسير، في تجاربه البشرية الأولى، من أقل من ثلاثين مليون سنة، وكنا نحن هذا الطرسير ننظر في الظلام كالبوم ونشب على رسغينا، ونأكل كل شيء بلا تخصص كما نفعل الآن، فلم نقتصر على الثمر ولم نقتصر على الحشرات، فنحن من حيث الطعام «موسوعيون» لا نتخصص.
والطرسير مع ذلك حيوان سحيق؛ لأن الفرق بينه وبين الغوريلا أكبر جدا من الفرق بين الغوريلا وبين الإنسان، فإن مخه لم يغط إلى الآن مخيخه كما هو الشأن في القردة العليا.
ولأمر ما نجهله نزل الإنسان الأول، وهو شيء بين الطرسير والقرد، إلى اليابسة، ولعل السبب في نزوله من الشجر أنه تضخم فكبر جسمه وثقل ولم تعد الأغصان تتحمله أو لم يعد هو يجد الخفة في التنقل عليها، واستطاب الإقامة على اليابسة حيث الأمن فيها على الأطفال مكفول؛ لأن سقوط الأطفال من الشجر كان من الهموم العظيمة التي كان يعانيها أسلافنا قبل ملايين السنين، واستطاع أن يسعى على اليابسة، يسعى بالوثب أولا ثم بالمشي ثانيا بالاعتماد على الرسغين.
ولكنا لما تركنا الشجر كانت أذنابنا لا تزال عالقة بنا، بل هي لا تزال كذلك في العصعص الذي يجمع عندنا من الفقرات ما يكفي لذنب محترم يليق لأي حيوان على الشجر، ويتعلق بالغصون، وكل ما نحتاج إليه كي نسترد أذنابنا قليل من اللحم والجلد ... ولكن إقامتنا على اليابسة أغنتنا عن الأذناب؛ لأن اليد كانت قد تحررت فصارت تتناول وتذب الهوام وتقتل الحشرات، وفي حيوان مثل الإنسان قد استقر على أن يعيش على اليابسة، يعود الذنب عبئا يجب التخلص منه وقت القتال، وكان لا بد من زواله.
وكان لا بد من أن نترك الشجر، أولا للأمن الذي ذكرنا؛ لأن حياة الصغار على الغصون كانت عرضة لأخطار السقوط، وثانيا لأن غذاءنا من الأثمار لم يعد يكفينا، وخاصة لأن الأثمار ليست دائمة؛ إذ هي موسمية، وكسبنا من اليابسة جملة أشياء:
أولها: أن اليد التي كانت قد كادت تتخصص في القبض على الغصون قد أصبحت مكلفة واجبات جديدة في التناول، فتطورت الإبهام حتى صارت كأنها يد أخرى تواجه الأصابع الأربع لا تقف معها في صف كما هو الشأن في الأورانج أوتان الذي لا يزال ملازما للشجر، فهو يحسن القبض على الغصن والتعلق به، ولكنه لا يحسن التناول للحجر أو العصا، ثم اكتسبنا القامة العمودية للمشي.
وقد احتجنا في هذا الانتقال من الشجر إلى اليابسة، ومن القامة الأفقية إلى القامة العمودية، إلى رباطات جديدة تربط أمعاءنا حتى لا تسقط، ولكن هذه الرباطات لم تتأصل في طبيعتنا إلى الآن، كما نرى مثلا من هذا المرض البشري، والبشري فقط؛ أي: الفتق، حين تنهار الأمعاء عند الرجل وتسقط في الكيس أو حين تفتق صرة المرأة وتخرج، فإن هذا المرض لا يمكن أن يصاب به كلب أو بقرة أو فأر، نصاب نحن به للقامة العمودية التي اتخذناها، ولما نحقق جميع أدواتها التي تحميها وتبقيها في صحة وسلامة، وقد وقعنا بهذا الوضع العمودي في تناقضات داخلية؛ لأن ضيق الحوض عند الرجل يقيه من الفتق ولكنه في الوقت نفسه يجعل الولادة عسيرة عند المرأة، ثم أدى هذا الوضع العمودي إلى زيادة العبء على القلب الذي نشأ للوضع الأفقي، ولذلك فإن أقدامنا تبرد، وتنشأ لنا الدوالي؛ أي: أن الأوردة تتورم في الساق لعجز القلب عن جذب الدم من تحت إلى فوق، ثم يمرض القلب لزيادة المجهود عليه في رفع الدم من القدم إلى الرأس.
العين، واليد، والإبهام، والرسغ، هذه الأربعة نقلتنا من طور الحيوان إلى طور الإنسان، وهيأت لنا حالا جديدة أو وضعا جديدا استطعنا به أن نجعل الرأس كبيرا يتسع للمخ الكبير الذي كسا المخيخ بل طغى عليه، ولولا هذه الأربعة لما استطعنا أن نصل إلى الوجدان والذكاء والمعرفة ثم الحضارة والرقي؛ لأن المخ البشري، بالمقارنة إلى الجسم، هو أكبر مخ على هذا الكوكب، ولولا أن قامتنا عمودية لما استطعنا أن نحمله ولو كان هذا المخ البشري في رأس الذئب أو الفرس لكسر عنقيهما؛ لأنهما يحملانه حملا أفقيا لا عموديا.
ولكن مخا كبيرا بلا عينين تنقلان إليه أخبار الوسط لا قيمة له؛ إذ لن يجد المادة التي تحمله على التفكير والمقارنة والاستنتاج؛ أي: الذكاء، ثم كذلك مخ بلا يد تصنع الأدوات والآلات لن يؤدي إلى اختراع حضارة، ثم كل هذا لم يكن مستطاعا لو لم نقف على أرساغنا؛ أي: على كعوبنا وقفة عمودية تتحمل عبء المخ الكبير، ثم بعد ذلك اللغة التي قطعت ما بيننا وبين الحيوان ورفعتنا إلى السماء.
Página desconocida