El hombre, el pináculo de la evolución
الإنسان قمة التطور
Géneros
ولا شك في أن سرعة الخيل كانت سلاحها الأكبر أمام أعدائها ولو كان الفرس حيوان غابات لما اعتاد هذه السرعة في الجري، وهذا يدل على أنه كان يعيش في السهول، ولا شك أيضا في أن الذئاب كانت العامل الأكبر في إيجاد هذه المزية فيه؛ لأنها تكاد تكون العدو الوحيد له في مواطنه، فكانت دائما تطارده وتفترس كل بطيء يتأخر عن القطيع فلا يبقى ويتوالد إلا السريع، فالذئب سبب سرعة الخيل، ثم إن ضرع الفرس صغير مع أن ولدها يحتاج إلى كمية من اللبن توازي الكمية التي يرضعها العجل من أمه أو أكثر منها، والسبب في ذلك أن المهر لا يرضع إلا قليلا في مواعيد متقاربة، وذلك أولا لأنه يلازم أمه دائما ولا يفارقها، وثانيا لكي لا يملأ بطنه فيبقى خفيفا قادرا على اللحاق بأمه وقت هجوم العدو عليها، والحال عكس ذلك في البقر فإنها تخفي ولدها في خميلة أو دغل بعد أن تشبعه وتسرح النهار كله بعيدا عنه، وعند رجوعها يكون قد اشتد عليه الجوع فيحتاج إلى لبن كثير، وهذا كان السبب في كبر ضرع البقرة الذي استفاد منه الإنسان.
وإذا قارنت بين حوافر الفرس وأظلاف الثور وجدت أن أظلاف الثور مشقوقة، والسبب في ذلك أن الثور كان يعيش في الغابات حيث الوحل والتراب الندي، فبقيت قدمه مشقوقة لكي تتسع حينما يرفعها فيسهل عليه نزعها من الوحل، ولو كان مثل حافر الفرس لالتصقت بالوحل وعاقته عن الجري، فحافر الفرس مصنوع للرمال الجافة وأظلاف الثور للتراب الرطب وللوحل الذي يكون عادة في الغابات.
والحمار يماثل الفرس في تركيبه وهما قريبان بيولوجيا، ولهذا يمكن المزاوجة بينهما غير أن نسلهما يكون في الغالب عاقرا، وأهم ما يستغربه الإنسان في الحمير كراهتها للسير في الماء، وقد فسر أحدهم ذلك بأن الحمير نشأت في البلاد التي يكثر التمساح في أنهارها، فكراهة الحمار للماء آتية من هذه الذكرى، فهو أبدا يرى بغريزته شبح عدوه في الماء. وسلاح الثور قرناه وقوتهما على النطاح، وقد استثمر الإنسان هذه الخاصة واستعمله للجر؛ لأن الجر والنطاح من قبيل واحد فالثور هو حامل نير المحراث يفعل ما يفعله مع أعدائه عند العراك، ولهذا السبب نظن أننا نخطئ في وضع النير على رقبته وكان الأولى أن نقرنه برأسه كما يفعل الفلاحون الألمان، فإن قوة الثور في رأسه عند قرنيه وجميع عضلات رقبته معدة لتقوية رأسه.
ومما يلاحظ أن الثور يكره اللون الأحمر ويهتاج عند رؤيته، والسبب في ذلك على ما يرجح الباحثون هو توهمه وجود الدم، فإنه من الملاحظ أن الجواميس الوحشية إذا رأت جاموسا مجروحا بينها تثخنه نطاحا حتى تقتله أو تبعده عنها وقد يظهر أن هذا العمل فظيع.
ولكن يرجح أن الغرض منه هو إبعاد الثور المجروح لكي لا يبقى الوحش الذي جرحه متابعا له في سيره، فالقطيع يطرده ويبعده عنه لكي يبعد عنه الوحش الذي يتأثره، كأن الجواميس تقول للوحش: «خذه واتركنا»؛ أي: أن الانتخاب الطبيعي قد جعل هذه الحيوانات تطرد الجريح عنها لفائدة المجموع.
والكلب من الحيوانات التي أدجنها الإنسان قديما، وهو ذئب بخلقه وخلقه، ولذلك تنجح المزاوجة بينهما دائما ولا يكون نسلهما عاقرا كالبغل، ومعنى ذلك أن قرابة الذئب والكلب أشد من قرابة الفرس والحمار، وإذا نظرت إلى الكلاب وهي تتعارك أو تتهارش رأيت أن الكلب يعامل إخوانه الكلاب مثلما يعامل الإنسان، فقوانين القطيع الاجتماعية - لأن الكلاب كانت تعيش قطعانا - هي نفس القوانين التي يراعيها الكلب عند معاملته لصاحبه، فهو ينظر إليه كأنه كلب شديد الحيلة يمشي على رجليه وينظر إلى أهل البيت الذي يسكنه كأنهم أفراد قطيع واحد، ولذلك يدافع عن أصحابه ويدفع أعداءهم كأنهم أعداؤه ويقاتلهم إلى حد الموت.
ولغة الكلب من أبين لغات الحيوانات، فهو يوقوق عند الخوف ويضغو عند الجوع ويهر عند ابتداء القتال وينبح إذا أراد أن ينادي إخوانه، ولا شك في أن هذه الأصوات كانت تفيده قديما؛ لأنه لضعفه كان لا يصيد إلا مجتمعا، فهذه الأصوات تدل سائر القطيع على مراد الكلب المصوت.
وللكلب حركات لا تقل عن الأصوات في الدلالة على ما في نفسه، فهو إذا أذعن وأقر بذنبه واستصفح استلقى على ظهره وأرخى ساقيه وصمت، يفعل ذلك أمام صاحبه إذا لوح أمامه بالعصا كما يفعله أمام كلب كبير إذا رأى الشر في عينيه، وذنب الكلب آلة تفاهم بينه وبين إخوانه فهو يبصبص به عند التذلل والطلب ويرفعه عند الغضب، وإذا جرى جذبه إلى ما بين ساقيه، قيل: والغرض من ذلك أن لا يمسك به عدو يتأثره، فهذه الأصوات والحركات تدل دلالة واضحة على أن الكلب كان اجتماعيا؛ لأنه لا فائدة منها لحيوان انفرادي لا يحتاج إلى إخوانه ولا تحتاج هي إليه.
والحيوان الانفرادي الوحيد الذي يعيش مع الإنسان هو القط ولا يخفى أن القط ليس حيوانا أنيسا، وغاية ما يفعل أنه يأوي إلى بيوتنا كما تأوي إليه الفيران والعصافير ويمتاز عنها بقلة خوفه، فهو لا يصاحب أحدا وإذا انتقل سكان البيت الذي يسكنه لم يذهب معهم بل بقي فيه، وإذا رأى صاحبه يتشاجر مع غيره بقي هادئا لا يتحرك لمساعدته، وإذا رأى قطين يتعاركان تركهما وذلك لأنه انفرادي بطبعه لا يفهم اصطلاحات الاجتماع وآدابه كالكلب، وقد رأينا في الملاعب من يعلم الخيل والحمير والكلاب والمعز ألعابا شتى ولكننا لم نر أحدا أفلح في تعليم قط لعبة ما، وذلك لأن القط لا يفهم أصول المعاملة من طاعة وجزاء ومكافأة واشتراك وغير ذلك مما تفهمه الحيوانات الاجتماعية؛ لأن ذلك من مقتضيات الاجتماع والتعليم.
ولون القط يدل على أنه كان حيوان غابات؛ لأنه يماثل ظل أوراق الأشجار على الأرض، فكان يحتمي وهو وحش بهذه الألوان ويختفي بواسطتها عن أعين أعدائه وفرائسه، ويظهر لنا أن الألوان الزاهية أو البيضاء أو السوداء التي ترى بها القطط أحيانا حديثة العهد؛ أي: أنها حدثت فيها بعد إقامتها في البيوت بين الناس وعدم احتياجها إلى الاحتماء باللون.
Página desconocida