El hombre, el animal y la máquina: redefinición continua de la naturaleza humana
الإنسان والحيوان والآلة: إعادة تعريف مستمرة للطبيعة الإنسانية
Géneros
(1) هل يمكن أن تحل الحيوانات محل الإنسان؟
في رواية شهيرة بعنوان «الكلاب غدا»،
1
يتخيل كاتب الخيال العلمي الأمريكي كليفورد دونالد سيماك عالما مستقبليا بلا بشر؛ حيث انقرض البشر تاركين إدارة كوكب الأرض إلى تلاميذهم «الكلاب». يقودنا هذا الافتراض الجريء إلى أن نطرح بصورة أكثر واقعية مسألة مكانة الإنسانية ومصيرها على كوكبنا. فالإنسان المنحدر من الحيوان هل سيستبدل به الحيوان في نهاية المطاف؟ هل يمكن لتطور الكائنات الحية، الذي يوجد الإنسان بسببه، أن يستكمل رحلته دون البشر؟ وفي ضوء السلوك الانتحاري الذي ينتهجه الإنسان بتلويثه للكوكب ولأجسام نظرائه بلا حدود وبمساهمته في تغيير المناخ وباستنفاده للاحتياطي الطبيعي دون أن يعبأ بالمستقبل وبالزج بنفسه في حروب وعمليات إبادة جماعية تزداد دمويتها بسبب زيادة قدراته التقنية، فإن مسألة استمرار الحياة دون الإنسان، إذا أجبرنا على التسبب بأنفسنا في انقراضنا، تفرض نفسها بكل حدة. (1-1) هل يمكن أن تتطور الحياة دون الإنسان؟
يعتبر تطور الحياة عملية شديدة البطء ولكنها حتمية. ووفقا لآليات الاصطفاء الداروينية أو ربما آليات أخرى (انظر الفصل الأول)، فإن أي مجموعة من الكائنات الحية التي تمتلك الأصل ذاته ولكن تعيش منفصلة، ينتهي بها الأمر إلى «الاختلاف» والانقسام إلى مجموعتين أو فصيلتين مختلفتين. ومن جهة أخرى، توجد حيوانات أكثر مقاومة من الإنسان للإشعاعات والمواد الملوثة أو أي عوامل أخرى من شأنها أن تؤدي إلى انقراض الإنسان. وقد تتطور هذه الحيوانات وتحل بطريقة ما محل الإنسان على الأرض، وقد حدثت مثل تلك الظواهر في الماضي عندما دمرت بعض «الكوارث الطبيعية» الأجناس التي كانت تسود الأرض في عصر محدد. وأبرز مثال على ذلك هو ديناصورات الحقبة الوسطى التي لم تستطع مقاومة بعض التغيرات المناخية العنيفة الناتجة عن سقوط نيزك أو عن حمم بركانية ضخمة (لم تحسم بعد مسألة السبب الرئيسي في انقراضها). على أي حال، حجبت هذه الكوارث أشعة الشمس عن مناخ الأرض وأدت في النهاية إلى القضاء على الحيوانات الأكثر ضخامة مثل الديناصورات، وخلفتها حيوانات أخرى كانت في الأصل أصغر حجما وأقل عرضة للخطر مثل الطيور وهي «ديناصورات حقيقية متحولة» وكذا الثدييات. وهكذا سوف تزدهر الحياة حتما على الأرض دون الجنس البشري ولكن بطريقة مختلفة عن الماضي يستحيل بالطبع التنبؤ بها.
لكن هل يمكن أن نتخيل أيضا حياة ذكية وحضارة تقنية مماثلة لحضارتنا دون الإنسان؟ توجد بالفعل حيوانات ذكية (انظر الفصل الرابع) وتمتلك بعض الحيوانات قدرات تقنية تساعدها على استخدام «أدوات» بدائية (انظر الفصل الثامن). فيمكننا إذن أن نتخيل التطور نحو أجناس أكثر ذكاء تمتلك قدرات تقنية أكثر تطورا مما تمتلكه الأجناس الحالية غير الإنسان. ويفترض مثل هذا التطور نحو تحكم أفضل في البيئة إمكانية التأثير في العالم، ومن ثم وجود أعضاء للإمساك، أي: «أيد»، أو ما يعادلها، ولكننا نعلم أن الطبيعة تمتلئ بالفعل بمثل هذه الأعضاء. فيستطيع العديد من الحيوانات الإمساك: القرود والطيور والفئران والفيلة بخراطيمها ... إلخ، وغالبيتها حيوانات تمتلك بالفعل نوعا من الذكاء. وعلى سبيل الخيال العلمي، فليس من الغريب أن نتخيل حضارة لفئران متطورة تصبح أكبر حجما وذكاء لتخلف حضارتنا وهي حضارة «القردة البشرية العارية» والتي سوف تنقرض كالديناصورات ولكن لأسباب أخرى! (1-2) هل يمكن أن توجد حياة في مكان آخر من الكون؟
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد العديد من العلماء في الوقت الحالي أن الحياة ليست بالضرورة ظاهرة استثنائية تقتصر على الأرض. فإن العثور على جزيئات «عضوية» (تلك التي تتكون منها أجسام الكائنات الحية) في مكان آخر غير كوكبنا، في المذنبات على سبيل المثال، ووجود مليارات النجوم من جهة أخرى، يسمحان بافتراض أن بعض الكواكب ذات الظروف الفيزيائية الشبيهة بالظروف الموجودة على الأرض قد تسمح بظهور أجسام حية معقدة وتطورها في ملايين الأماكن الأخرى من الكون، ولكنها ستكون مختلفة للغاية عن الحيوانات والنباتات التي نعرفها على الأرض. وعلى الأرض نفسها فإن ملاحظة ما نسميه «بالتنوع البيولوجي» للكائنات الحية توضح أنه قد ظهرت كائنات مختلفة كالقرد والنحلة والمحار وأشجار الدلب والبكتيريا، وذلك في ظروف بيئية متناسقة للغاية كظروف كوكبنا، وهو ما يشير إلى ما قد يكون عليه التنوع البيولوجي على الصعيد الكوني في ظروف بيئية شديدة الاختلاف! وتخيل بعض المؤلفين أيضا أن المراحل الأولى للحياة الأرضية ربما دارت في مكان آخر غير الأرض ثم جلبتها إلينا بعض المذنبات أو النيازك التي سقطت على الأرض في بدايات تكوينها. ولكن تظل كل هذه الافتراضات بالطبع محل تأمل، إلا أنها تعزز فكرة أن التطور البيولوجي قد يكون ظاهرة عامة في الكون وأنه لا يوجد سبب يجعله يتوقف على الأرض في غياب الإنسان.
ليس للكلاب أيد مما يجعل من الصعب ظهور «حضارة كلاب» ذات تعقيد ما. ففي الأسطورة التي تقصها رواية «الكلاب غدا» لكليفورد سيماك، يتخيل المؤلف أن روبوتات صنعها الإنسان هي التي ستكون بمنزلة أيد اصطناعية للكلاب، وسوف تسمح لها في النهاية أن تحل محل البشر في إدارة الأرض.
وهو ما يدفعنا إلى التفكير في إمكانية أخرى للتطور الإنساني: يستطيع فيها الإنسان بفضل تقنيته أن «يتخطى» التطور البيولوجي أو التطور الدارويني. وهو ما يقودنا إلى التفكير في أن الإنسان بفضل مهاراته التقنية سيطور العالم المحيط به ويطور نفسه بصورة أسرع مما يقوم به التطور الطبيعي (شديد البطء) للأنواع. ويمكننا أن نلاحظ أن جميعنا بالفعل مختلفون عما كنا سنصير عليه خلال اصطفاء طبيعي في الغابة التي كان أغلبنا سيلقى حتفه فيها. فقد منحتنا مهاراتنا التقنية، لا سيما المهارات الطبية والجراحية، هيئة جسدية (وحتى جمالية) مختلفة تماما، ومنحتنا أيضا قدرة أطول على البقاء من تلك التي قد يمتلكها إنسان يعيش في الغابة بعيدا عن مكاسب التكنولوجيا.
وهو ما يقودنا أيضا إلى السؤال التالي: (2) هل يمكن أن تحل الآلات محل الإنسان؟
Página desconocida