Insaf
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري
Géneros
أخبرنا القاضي شهاب الدين أحمد بن مدرك بن سليمان قاضي المعرة، قال: أخبرني جماعة من سلفنا أن بعض أمراء حلب قيل له: إن اللغة التي ينقلها أبو العلاء إنما هي من الجمهرة، وعنده من الجمهرة نسخة ليس في الدنيا مثلها؛ وأشاروا عليه بطلبها منه، قصدا لأذاه. فسير أمير حلب رسولا إلى أبي العلاء يطلبها منه. فأجابه بالسمع والطاعة، وقال: تقيم عندنا أياما، حتى تقضي شغلك. ثم أمر من يقرأ عليه كتاب الجمهرة، فقرئت عليه حتى فرغوا من قراءتها، ثم دفعها إلى الرسول وقال له : ما قصدت بتعويقك إلا أن أعيدها على خاطري، خوفا من أن يكون قد شذ منها شيء عن خاطري. فعاد الرسول، وأخبر أمير حلب بذلك، فقال: من يكون هذا حاله لا يجوز أن يؤخذ منه هذا الكتاب. وأمر برده إليه. اه وقرأت في بعض مطالعاتي في الكتب، ووجدته معلقا عندي بخطي: أن رجلا من طلبة العلم باليمن، وقع إليه كتاب في اللغة سقط أوله، وأعجبه جمعه وترتيبه، فاتفق أنه حج، فحمله معه. وكان إذا اجتمع بأديب أراه ذلك الكتاب، وسأله عنه: هل يعرفه أو يعرف مصنفه؟ فلم يجد أحدا يخبره بذلك. فأراه في بعض الأحيان لبعض الأدباء، وكان ممن يعلم حال أبي العلاء ابن سليمان، وتبحره في العلم، فدله عليه. فخرج ذلك الرجل إلى الشام ووصل إلى معرة النعمان، واجتمع بأبي العلاء ابن سليمان، وعرفه ما حمله على الرحلة إليه، وأحضر إليه ذلك الكتاب، وهو مقطوع الأول. فقال له أبو العلاء: اقرأ منه شيئا، فقرأه عليه. فقال له أبو العلاء: هذا الكتاب اسمه كذا، ومصنفه فلان بن فلان. ثم ابتدأ أبو العلاء فقرأ له أول الكتاب، إلى أن انتهى إلى ما هو عند ذلك الرجل. فنقل ذلك الرجل ما نقص من الكتاب عن أبي العلاء، وأكمل النسخة، وانفصل إلى اليمن، وأخبر أهل العلم بذلك.
وقيل: إن هذا الكتاب المذكور هون ديوان الأدب للفارابي. والله أعلم.
وذكر القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد بن علي بن إبراهيم بن الزبير المصري، في كتاب ”جنان الجنان“ قال: حدثني القاضي أبو عبد الله محمد بن سندي القنسري، بمصر، قال: حدثني أبي قال: بتنا عند أبي العلاء المعري، في الوقت الذي كان يملي شعره المعروف بلزوم ما لا يلزم، فأملى في ليلة واحدة ألفي بيت، كان يسكت زمانا ثم يملي قريبا من خمسمائة بيت، ثم يعود إلى الفكرة والعمل، إلى أن كملت العدة المذكورة.
Página 85