El Golpe Otomano

Jurji Zaydan d. 1331 AH
82

El Golpe Otomano

الانقلاب العثماني

Géneros

ثم وقف رامز واستأذن في الانصراف فأذن له، وأشار إلى الحراس أن يوصلوه إلى قصر مالطة، وودعه وهو يبش له.

فمشى رامز بقدم ثابتة وقد زال ارتباكه شأن من يتردد في أمر ثم يستقر على رأي. وفيما هو مار بباب يلدز الخارجي وقع بصره على مركبة مغلقة داخلة منه، ولمح فيها امرأة تشبه شيرين ، فاقشعر بدنه وخفق قلبه بشدة، وبقي بصره عالقا بالمركبة حتى غابت عنه، فوقف ذاهلا وظل كذلك حتى نبهه أحد الحراس بطرف البندقية فانتبه ومشى معللا نفسه بأنه واهم فيما رآه، وأن قلقه على شيرين أراه طيفها فهاجت أشجانه، وما دخل قصر مالطة حتى عاد إلى هواجسه. •••

قضى رامز بقية ذلك اليوم وهو يفكر فيما يقوله للسلطان، وطال انتظاره وهو لا يعلم الوقت الذي سيحدده السلطان موعدا لمقابلته، وتهيب من تلك المقابلة لكنه تجلد وتشجع، وما زال يجول في ذلك القصر منفردا لا يرى أحدا وصورة شيرين لا تبرح ذهنه. ولما انقضى النهار ومالت الشمس إلى المغيب تكاثفت هواجسه وتراكمت، فقعد في الشرفة المطلة على البوسفور واستغرق في أفكاره، وتصور شيرين بين يديه تعاتبه أو تشكو إليه، فتذكر ما شاهده في ذلك الصباح وقال في نفسه: «هل يمكن أن تكون شيرين هنا؟ لكن ما الذي جاء بها؟! لا ... لا! إنما رأيت خيالها.»

وفيما هو غارق في هذه التأملات جاء الخادم لإنارة المصابيح كالعادة فلم يلتفت إليه، ثم رآه آتيا نحوه إلى الشرفة فاستغرب قدومه وتجاهل، فإذا هو يخاطبه قائلا: «تفضل أفندم إذا شئت إلى حجرة الاستقبال.»

فأجفل ووقف وسار نحو القاعة، وقبل وصوله إليها سمع سعالا اضطربت له جوارحه وكاد الدم يجمد في عروقه لأنه يشبه سعال طهماز، واستبعد أن يكون هناك، لكنه تمنى أن يكون هو نفسه لعله يستطلع منه خبر شيرين. ولما وصل إلى الحجرة رأى طهماز يتمشى بقرب بابها وعليه ثوب مزركش بالقصب يلبسه أصحاب الرتبة الثانية، وقد تقاعس وتطاول وأصلح من شأنه وفتل شاربيه حتى كاد رامز لا يعرفه، لكنه ما لبث أن استأنس برؤيته على رغم ثقل روحه عليه فتقدم نحوه وحياه، فرد طهماز التحية وهو يبتسم ابتسام الإعجاب، ومشى معه إلى صدر القاعة ودعاه إلى الجلوس، وجلس وهو يقول: «أهكذا تصنع بنفسك يا رامز؟ ألم يكن الأولى بك أن تسمع نصيحتي؟»

وقال الخادم لرامز: تفضل أفندم إذا شئت إلى حجرة الاستقبال.

فاستثقل رامز ذلك العتاب وإن لم يستغربه من طهماز فقال: «ما لنا ولما مضى يا عماه؟ أين هي شيرين الآن؟»

فقال: «شيرين؟ شيرين المجنونة؟ من يعلم أين هي!»

فقال: «كيف لا تعرفون أين هي؟!»

قال: «الذي نعرفه أنها فرت من سلانيك مع الخادم خوفا من الوقوع فيما وقعت فيه أنت، فذهبت إلى مناستير أو إلى رسنة لأن لها هناك بعض الرفاق من أمثالها وأمثالك أهل الطيش الذين يقلدون النصارى في أفكارهم، وسوف ينالهم ما نالك.» قال ذلك وهو يفتل شاربيه وأخذ في إصلاح القصب على كمه وطوقه كأنه يلفت نظر رامز إلى الرتبة التي نالها.

Página desconocida