فسري عن عبد الحميد وقال: «قد أعطيناهم الدستور فأفسدوه، إنهم لا يصلحون له.»
فقال السر خفية: «على أن الدستور يا مولاي يخالف الشرع الشريف، أليس جلالة السلطان خليفة الرسول
صلى الله عليه وسلم
وينبغي أن يقتدي به؟ هل كان الخلفاء الراشدون يحكمون بالدستور؟ إنه من بدع النصارى أهل أوروبا، ولو كان ملكهم خلافة دينية ما سلموا بالدستور ولا عملوا به، ولكن بعض المغرورين اللئام من رعايا جلالة السلطان فسدت طباعهم بمعاشرة الإفرنج فأرادوا أن يقلدوهم في الحكومة كما قلدوهم في اللباس والطعام والسكر والمقامرة، فأغفلوا قواعد الدين الحنيف وعصوا أوامر النبي
صلى الله عليه وسلم
ويريدون أن يعصوا أوامر خليفته فخرجوا عليه و...»
فقطع السلطان كلامه قائلا: «والخوارج الملاعين؟! ما الذي حملهم على الخيانة؟ وما العمل الذي أوجب خروجهم؟ هم يطلبون المناصب ويطمعون في الترضيات المالية وقد تعبت في مرضاتهم. من أين آتيهم بالمناصب التي يطلبونها؟ أمن الإخلاص أنهم إذا جاعوا خرجوا على مولاهم؟!»
فأخذ السر خفية يخفف عنه قائلا: «إن مساعيهم ستعود وبالا عليهم، وما أظنهم إلا نادمين عما قليل. وما هذه أول مرة رجعوا فيها صاغرين، لم يكن فيهم أشد وقاحة من مراد الداغستاني وأنصاره، وقد ندموا ورجعوا فأكرم جلالة السلطان مثواهم وأغدق عليهم النعم. ولعل ملجأ الخلافة أيد الله ملكه قد بالغ في الإحسان إليهم والإصغاء إلى صراخهم، ولو أنه أهملهم واستعمل القسوة في عقابهم لكانوا عبرة لسواهم، ولكنه عاملهم بالرفق والإحسان فطمعوا وتمردوا، وقد آن الوقت الذي يدركون فيه شططهم وخطأهم.»
فابتدره السلطان قائلا: «بل آن الوقت للاقتصاص منهم والفتك بهم.» وصفق فدخل أحد الحجاب فقال له: «ادع الباشكاتب.»
فخرج ولبث السلطان ساكتا وهو يرتعد من الغضب، وتهيب السر خفية من رؤيته في تلك الحال. وبعد قليل دخل الحاجب يستأذن للباشكاتب، فلما أذن له دخل وحيا ووقف، فأومأ إليه السلطان أن يقعد فقعد، فقال له: «اكتب إلى ناظم بك قومندان سلانيك أن يستعمل الدقة في البحث عن الخونة الذين يزعمون أنهم يقفون في سبيل إرادتي الشاهانية بتأليف الجمعيات السرية. اطلب منه أن يستعمل الشدة بأية وسيلة كانت، وليبادر إلى إيفاء الوظيفة الموكولة إليه بما يليق بالشرف العسكري رغبة في صيانة الدولة من الأدران الضارة!»
Página desconocida