فهزت رأسها استخفافا وقالت: «إنهم على ما هم عليه لم يتغيروا.»
قالت: «أؤكد لك أنهم هذه المرة غير ما كانوا عليه قبلا، وأنا من أعلم الناس بهم.»
فاستبشرت القادين بقرب الوصول إلى المقصود فقالت: «يا حبيبتي إن أمثالنا لا يمكنه الاطلاع على حقيقة الرجال. لم يظهر بين الأحرار المقاومين للظلم أضخم من مراد بك، وهو الآن في الأستانة بين المقربين.»
فابتسمت شيرين ابتسام العالم بأمور يجهلها مخاطبه وقالت: «قلت لك إن أعضاء جمعية الاتحاد والترقي هذه المرة مختلفون عنهم في المرات الماضية اختلافا كبيرا. ولولا حرمة الأسرار لذكرت لك بعضهم فتثقين بقولي وتعلمين أني أقول لك الصدق.»
فأطرقت القادين لحظة ثم رفعت بصرها إلى شيرين وفي عينيها ملامح العتاب، وقالت: «صدقت، ينبغي للإنسان أن يكون حريصا على سره ولا يفرط فيه كما فعلت أنا! ولكنني وثقت بك ولم أندم على ما فرطت في سري لأني شعرت بلذة الراحة.»
فتوردت وجنتا شيرين من الخجل وأحست أنها أخطأت، ولم يكن ينبغي لها أن تقول ما قالت ما دامت تصر على الكتمان، فارتبكت في أمرها ولم تجد لها مخرجا إلا بالمكاشفة لكنها قالت: «قد أخطأت يا سيدتي فهم مرادي، فأنا لا أضن عليك بسر أكتمه إذا كان ذلك السر لي، ولكن هذا السر خاص برامز وقد أطلعني عليه ونحن نتشاكى، ولا يخفى عليك ذلك، وهو واثق أنه لا يخرج من فمي لأحد، فإذا أخرجته عددت عملي خيانة. وأما الأسرار التي هي لي فلا أخفي عليك شيئا منها.»
فأجابتها وهي تساعدها على الاعتذار: «إن قدرك قد ارتفع في عيني الآن عما كان عليه قبلا، إن الإنسان يجب أن يكون أمينا صادقا وإلا كان من الأشرار، وحاشاك أن تكوني منهم. وهذا يؤكد لي أن ما كاشفتك به الآن يبقى محفوظا عن كل أذن. لا تظني أني أطلب منك أن تبوحي بأسرار الجمعية، ولكنني أجادلك في حقيقة هذه الجمعية فأحب أن أعرف الفرق بين أعضائها الآن وأعضائها في الأمس.»
فانشرح صدر شيرين لذلك التخلص، وأحست بنزاهة تلك المرأة وكبر نفسها وسعة صدرها وتعقلها، حتى هان عليها أن تضع كل أسرارها بين يديها، على أنها جاملتها قائلة: «الفرق المهم أن أعضاء الجمعية اليوم أكثرهم من ضباط الجيش العثماني، وكانوا قبلا من الكتاب والأدباء. ولا يلبث الضباط كلهم أن ينتظموا في سلكها، فإذا فعلوا ذلك فبماذا يطاردهم عبد الحميد؟»
فأظهرت القادين الاستغراب وقالت: «هل أنت على ثقة مما تقولين؟! قد سمعت شيئا من ذلك، ولكنهم يقولون إن بعض الضباط الصغار المطرودين من الجيش انتظموا في الجمعية.»
فقالت: «كلا يا سيدتي، إن المنتظمين في الجمعية اليوم من أكابر ضباط الجند كأمراء الآلايات، وهم في خدمتهم العسكرية والجند تحت أوامرهم متى شاءوا، وأنا أعرف كثيرين منهم.» قالت ذلك وتصاعد الدم إلى وجهها ندما على تصريحها بأنها تعرف كثيرين منهم.
Página desconocida