El Golpe Otomano

Jurji Zaydan d. 1331 AH
100

El Golpe Otomano

الانقلاب العثماني

Géneros

وكان الكل يسمعون وهم يستغربون هذا الاقتراح، فلما فرغ من كلامه قال الرئيس يخاطب الأعضاء: «أنتم تعلمون قانون جمعيتنا المقدسة، ولا يخفى عليكم أنه يقضي بالمطالبة بالدستور وقلب الحكومة الاستبدادية بالحسنى بلا سفك دماء على قدر الإمكان، ولذلك لا يمكننا رفض اقتراح عبد الحميد مع ما فيه من نيل الدستور على أهون سبيل. ولا يخفى عليكم أيضا أن هذه الجمعية ترى إذا نالت الدستور ألا تلحق بالسلطان سوءا، إذ لا رغبة لنا في الانتقام وإنما نريد الإصلاح.»

فوقف أنور بك، وشارباه المرتفعان ينتفضان من التأثر، وقال: «يا إخواني، إن اقتراح عبد الحميد جميل، وحجب الدماء جميل. ولكن نيل الدستور بالحسنى مما يخالف النواميس الطبيعية الاجتماعية التي جرت عليها الأمم من أقدم أزمنة التاريخ، هل سمعتم بأمة نالت حريتها وتخلصت من حكومتها الاستبدادية إلا بالسيف؟ كلا أيها السادة، إن الشرف الرفيع لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم. ولا أقول: إن نيل الدستور بالحسنى مستحيل، فالواقع أننا ساعون في هذا السبيل، ولكنني أرى أمر ذلك يطول، وقد جعلنا هذه الجمعية عسكرية، وأعضاؤها أكثرهم من الضباط الشجعان المثقفين الذين يعرفون قدر الحرية، أو الكتاب الأحرار العارفين، فينبغي لنا أن نبادر إلى العمل. هذا هو رأيي، ولا أرى اقتراح ذلك الطاغية إلا حيلة يدبر لنا من ورائها مكيدة.»

قال ذلك وجلس بين ضجيج الاستحسان، وارتفع صوت الضابط الملازم «ك» المعروف بحماسته يقول: «اقتل ... اقتل ... لا يفيد غير ذلك!» فضحك الجميع معجبين. أما الرئيس فوجه كلامه إلى أنور بك وقال: «لله درك يا أنور! وبارك الله في بسالتك وحزمك! إن جمعية فيها أمثالك لفائزة بإذن الله. ولكننا نبحث عن اقتراح عرضه علينا السلطان وهو يوافق غرض جمعيتنا، هل نرفضه؟»

فنهض القائمقام فائق بك وقال: «أيها الأخ الرئيس، قد يكون قانون جمعيتنا المقدسة لا يأذن لنا في رفض هذا الاقتراح، ولكن التجارب الماضية دلتنا على أن ذلك الطاغية لا يركن إليه ولا يوثق بقوله، فكم استرضى الأحرار بمثل هذه الوعود ثم غدر! كما فعل بجمعية باريس، وحديث مراد وغيره أشهر من أن يذكر، وقد بدأ غدره منذ يوم مبايعته، ألم يعد مدحت بإعلان الدستور ثم أخلف ولم يعلنه إلا قهرا ثم أفسده وفتك بأصحابه؟ إن عبد الحميد متأثر بفلسفة ماكيافلي الإيطالي في السياسة، ولا يقرأ غير كتبه التي تعلم الفتك بالناس في سبيل مصلحة الدولة بلا مبالاة بالشرف، وقد زاد عليه عبد الحميد باقتداره العجيب على إخفاء عواطفه والتظاهر بما ليس فيه كما تعلمون. ولو أنه اقترح علينا المخابرة كتابة لم يكن ثمة بأس من قبول اقتراحه، أما الذهاب إلى يلدز مدفن الأحرار فأنا لا أوافق عليه، بل أرى أننا اليوم في خطر أشد مما كنا فيه قبلا.»

فصاح أنور بك قائلا: «هذا حق! هذا حق!»

فنهض رامز وقال: «يحق لكم الشك فيما سمعتموه، وقد لبثت حينا بين الشك واليقين، ولكنني رأيت الدمع يتساقط من عيني عبد الحميد وهو يتكلم، وأصبح بين يدي كالطفل النادم على ذنب اقترفه خوف العقاب. أما المخابرة بالكتابة من بعيد فلا تفيد ، لأنه يريد ألا يشعر أحد من رجال القصر بهذا الأمر، لأنه يخشى على حياته منهم إذا شعروا بأنه سينقل النفوذ من أيديهم إلى أيدي أعدائهم. وعلى كل حال سيأتي أبي بعد قليل، وسنسمع رأيه في ذلك.»

فقال الرئيس: «نؤجل الحكم في هذه المسألة للتأمل فيها، وإذا شئتم أن نعقد جلسة عامة يجتمع فيها كل الأعضاء فعلنا.» فوافق الجميع على ذلك.

مدحت وسعيد

وجه الرئيس كلامه إلى رامز بعد انتهاء الجلسة فقال: «لقد شغلنا بهذا البحث عن حديث سعيد بك أبيك، هل التقيتما في يلدز؟»

قال: «نعم، وسيكون هنا الليلة أو غدا.»

Página desconocida