انشغلت كعادتها بالكلام عن الأكل، التقطت بالشوكة حبة من الفراولة الحمراء، وتذوقت عصير البرتقال برشفة واحدة لم تكررها، قال جورج: لم يعجبك العصير بالطبع، فهو ممزوج بالكيماويات، يلسع الحلق مثل كل أنواع العصير الأمريكية ومنتجات الرأسمالية الجشعة.
قالت باتريشيا: أنا آكل البرتقال الطازج بقشره ولا أشرب أنواع العصائر الكيماوية السامة. وانفجر الجميع بالضحك.
تنتمي باتريشيا إلى الحركة النسائية الراديكالية، تقاطع منتجات السوق الحرة، لا تأكل اللحوم ولا الفراخ ولا البيض، مثل كثير من النساء الفيمينيست في العالم، تأكل الفاكهة والخضراوات بتربتها من الحقل.
قادت صباح السبت سيارتها الفولكس فاجن الصغيرة (تكره السيارات الأمريكية) مسافة ساعتين، لتشتري طعام الأسبوع من مزرعة صديقها إرنست، الذي يملك قطعة أرض صغيرة، في جوار النهر، يزرعها بيده، يأكل منها هو وأسرته، ويبيع ما يفيض لزبائنه وأصدقائه في القرى المجاورة.
دعت باتريشيا فؤادة وجورج إلى المزرعة، همست في أذنها، يشارك إرنست مع جورج في تنظيم التظاهرات ضد الحكومة وتجار وول ستريت وضد الحروب في العراق وفلسطين وأفغانستان، وضد صفقات الأسلحة وأجهزة القمع التي تشحنها حكومتنا إلى حكومتكم يا فؤادة.
وقال جورج: شحنات من القنابل ومقذوفات الغاز ترسلها الحكومة الأمريكية إلى الحكومة المصرية لمساعدتها على التصدي للتظاهرات والثوار أو من يسمونهم مثيري الشغب، بعد إزالة اسم الشركة الأميركية المصدرة للعبوة، تلعب حكومتنا دور عصابة إرهابية تحت اسم المعونات والمساعدات الإنسانية، وقالت باتريشيا: فؤادة تعرف كل هذا يا جورج، نريد أن نسمع رأيها في هذه المزرعة.
قالت فؤادة: أنا أحب الأرض التي تنبت الخضرة كأنما أعود إلى أصلي وجذوري.
شيء ما يربط فؤادة بالأرض ورائحة المياه والزرع، يذكرها جورج نلسون بقريتها وابن عمتها عبد الجليل، البشرة المحمرة بالشمس وهواء النيل، القامة الطويلة مثل الأشجار، الأصابع القوية الممشوقة تعزف على الجيتار.
في بيت إرنست المطل على النهر، تمددت فؤادة فوق الأريكة ترشف النبيذ الأحمر، وهي تستمع إلى اللحن الهادئ المفعم بالشجن يعزفه جورج، سمعته يقول لها: فؤادة، لماذا الحزن في عينيك؟
ابتلعت الدموع وابتسمت: وهل أنت سعيد يا جورج؟ - كيف نشعر بالسعادة في مثل هذا العالم؟ - هل يمكن أن نغيره يا جورج؟ - ممكن. - ممكن يا جورج؟ - ممكن يا فؤادة.
Página desconocida