Injad Fi Abwab Jihad
الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه
Investigador
(مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي) (ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره)
Editorial
دار الإمام مالك
Ubicación del editor
مؤسسة الريان
Géneros
Jurisprudencia
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= وقال أبو هريرة: «لأن أرابط ليلة في سبيل الله، أحب إليّ من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود» . [بل هو مرفوع، رواه ابن حبان وغيره بسندٍ صحيح. انظر: «الصحيحة» (١٠٦٨)] .
قلت: ولهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرضٌ يكون فيها أطوعَ لله ورسوله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال، ولا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل، وإنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى والطاعة والخشوع والحضور، وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان: هلم إلى الأرض المقدسة! فكتب إليه سلمان: إن الأرض لاتقدس أحدًا، إنما يقدس العبد عمله [صحيح، وخرَّجته مفصلًا في تعليقي على «المجالسة» (١٢٣٨)] . وكان النبي ﷺ قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وكان سلمان أفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا.
وقد قال الله -تعالى- لموسى ﵇: ﴿سَأوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥]، وهي الدار التي كان بها أولئك العمالقة، ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين، وهي الدار التي دلَّ عليها القرآن من الأرض المقدسة، وأرض مصر التي أورثها الله بني إسرائيل، فأحوال البلاد كأحوال العباد، فيكون الرجل تارة مسلمًا، وتارة كافرًا، وتارة مؤمنًا، وتارة منافقًا، وتارة برًا تقيًا، وتارة فاسقًا، وتارة فاجرًا شقيًا.
وهكذا المساكن بحسب سكانها، فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة؛ كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة، وهذا أمر باق إلى يوم القيامة، والله -تعالى- قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ﴾ [الأنفال: ٧٥] .
قالت طائفة من السلف: هذا يدخل فيه من آمن وهاجر وجاهد إلى يوم القيامة، وهكذا قوله
-تعالى-: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ١١٠]، يدخل في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية، ثم هجر السيئات وجاهد نفسه وغيرها من العدو، وجاهد المنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، وصبر على ما أصابه من قول أو فعل. والله ﷾ أعلم» .
وأنقل لك -أخي القارئ- فتوى ابن عربي الصوفي الحاتمي الطائي في كتابه «الوصايا» (ص ٥٨-٥٩) في مسألة الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، قال ما نصُّه:
«وعليك بالهجرة ولا تقم بين أظهر الكفار، فإن في ذلك إهانة دين الإسلام، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله، فإن الله ما أمر بالقتال إلا لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وإياك والإقامة أو الدخول تحت ذمة كافر ما استطعت، واعلم أن المقيم بين أظهر الكفار -مع تمكنه من الخروج من بين ظهرانيهم- لاحظّ له في الإسلام (!!) فإن النبي ﷺ قد تبرأ منه، ولا يتبرأ رسول الله ﷺ من مسلم، وقد ثبت عنه أنه ﷺ قال: «أنا برئ من مسلم يقيم بين أظهر المشركين»، فما اعتبر له كلمة الإسلام، وقال الله -تعالى- فيمن مات وهو بين أظهر المشركين ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ =
1 / 72