جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبَّة خَرْدل» (١) .
فالقول أولًا: في معنى جهاد القلب، وذلك راجعٌ إلى مغالبة الهوى، ومدافعة الشيطان، وكراهية ما خالف حدود الشرع، والعقدِ على إنكار ذلك، حيث لا يستطيع القيام في تغييره بقول ولا فعل، وهذا الضرب واجب على كل مسلم إجماعًا، وهو مما يتناوله قوله -تعالى-: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨]، وقوله -سبحانه-: ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ [العنكبوت: ٦]، وقال -سبحانه-: ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ [النازعات: ٤٠]، وقوله ﷺ: «ومن جاهدهم
بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردل» (٢) .
الثاني: جهادٌ باللسان، وذلك كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (٣)، وزجرِ
_________
(١) أخرجه مسلم في «صحيحه» في كتاب الإيمان (باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان) (٥٠) (٨٠)، وأحمد في «المسند» (١/٤٥٨ و٤٦١)، وأبو عوانة (١/٣٥، ٣٦)، وابن منده في «الإيمان» (١٨٣و ١٨٤)، والطبراني في «الكبير» (٩٧٨٤)، والبيهقي في «الكبرى» (١٠/٩٠)، من حديث أبي رافع، عن ابن مسعود، به.
قال السندي: قوله: «ما من نبيٍّ ...» إلخ: لا بُدَّ من تخصيص الكلام بمن آمن من أمته قوم، وإلاّ فقد جاء أنَّ بعضهم ما آمن به أحد، أو آمن به واحد.
وكلمة: خُلوف، كعُدُول: جمع خَلْف -بالسكون- كَعَدْل. والخَلْفُ: كل مايجيء بعد من مَضَى، إلا أنه بالتحريك في الخير، وبالتسكين في الشر، وجمع المتحرك أخلاف، والمعنى: يجيء بعد أولئك السَّلف الصالح أناسٌ لا خير فيهم، والله أعلم.
(٢) سبق تخريجه قريبًا.
(٣) ذكر المصنف في كتابه: «تنبيه الحكام على مآخذ الأحكام» (٣٢٠-٣٢٣)، أن مراتب تغيير المنكر على خمسة أقسام:
١) التعريف والبيّنة. ... ... ٢) الوعظ والتخويف. ... ... ٣) الزجر والتقريع باللسان.
٤) التغيير بمباشرة اليد. ... ٥) التغيير بالضرب وإيقاع التنكيل والعقوبة بالفاعل، وذلك في حقِّ من تلبَّس ولم يقدر على دفعه عنه إلا بذلك. وفصّل في هذه الأقسام الخمسة.
1 / 12