Inferences of Sheikh Abdul Rahman Al-Saadi from the Holy Quran: Presentation and Study
استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن الكريم عرض ودراسة
Editorial
دار قناديل العلم للنشر والتوزيع
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م
Ubicación del editor
دار ابن حزم
Géneros
قناديل العلم
سلسلة قناديل الدراسات القرآنية
استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن الكريم عرض ودراسة
د. سيف بن منصر بن علي الحارثي
بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه في القرآن الكريم وعلومه
كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية - الرياض
1 / 1
قناديل العلم
جميع الحقوق محفوظة
دار قناديل العلم للنشر والتوزيع
info@qanadeelalem.com
الطبعة الأولى ١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م
1 / 2
استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن الكريم عرض ودراسة
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
المقدمة
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع أثره إلى يوم الدين.
أما بعد
فإن الله ﷿ أنزل القرآن العظيم المجيد نورًا مبينًا، وذكرًا حكيمًا، وهدى وبشرى للمسلمين، وذكرى ورحمة للمؤمنين، وهدى وموعظة للمتقين، وبرهانًا وشفاء لما في الصدور ومباركًا، أنزله الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
ولما كان القرآن بهذه المنزلة العالية الرفيعة، والمكانة المرموقة، اشتغل به علماء الإسلام قديمًا وحديثًا تلاوة، وحفظًا، وفهمًا، وتدبرًا، وعملًا بما فيه، وأولوا تفسيره اهتمامًا بالغًا، وهذا كله من حفظ الله لهذا الكتاب الذي تكفل الله بحفظه.
وكان من أبرز جوانب اهتمام العلماء بالقرآن الكريم محاولة استنباط الأحكام الشرعية، والهدايات القرآنية، والمعاني التربوية والسلوكية ونحو
1 / 6
ذلك مما يأتي بعد تفسير اللفظ القرآني ومعرفة حقيقة معناه؛ لأن ذلك يفتح بابًا عظيمًا من أبواب الانتفاع بالقرآن الكريم وتدبره ومعرفة عظمته؛ إذ يحتوي على كل ما تحتاجه البشرية في حياتها، وممن كان له القدح المعلى في ذلك العلامة عبدا لرحمن السعدي ﵀ وبعد قراءة كتبه في التفسير وعلوم القرآن تبين لي تميزه في هذا الجانب؛ فعقدت العزم متوكلًا على الله بعد الاستشارة على اختيار موضوع:
«استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن الكريم عرض ودراسة».
وكان لاختياري هذا الموضوع أسبابًا منها:
أولًا: قيمة هذا الموضوع العلمية؛ إذ هو متعلق بفهم الآية القرآنية فهمًا صحيحًا ثم استنباط ما يمكن استنباطه من الآية وهذا فيه مزيد عناية وتدبر لكلام الله ﷿.
ثانيًا: إعطاء الدارس لهذا الموضوع فرصة الإطلاع على طرق العلماء في الاستنباط من القرآن ودراستها مما يساهم في بناء شخصية الباحث في هذا الجانب المهم المتعلق بالقرآن.
ثالثًا: مكانة الشيخ السعدي التفسيرية وتميزه في جانب الاستنباط بل كثرة اعتنائه بالاستنباط من القرآن حيث قال عن ذلك في تفسيره: (. . . وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ. . . فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه. . . . وقد كان في تفسيرنا هذا كثير من هذا منّ الله به علينا. . .) تفسير السعدي ص (٧٣٣).
رابعًا: ثناء العلماء على جانب الاستنباط في تفسير الشيخ السعدي، قال الشيخ محمد العثيمين ﵀: (ومنها دقة الاستنباط فيما تدل عليه الآيات من الفوائد والأحكام والحكم وهذا يظهر جليًا في بعض الآيات كآية الوضوء في سورة المائدة حيث استنبط منها خمسين حكمًا وكما في
1 / 7
قصة داود وسليمان في سورة ص). تفسير السعدي (ص ١١)، وقال الشيخ عبدالله بن عقيل: (وقد اهتم بترسيخ العقيدة السلفية، والتوجه إلى الله، واستنباط الأحكام الشرعية، والقواعد الأصولية، والفوائد الفقهية إلى غير ذلك من الفوائد الأخرى التي لا توجد في غير تفسيره) تفسير السعدي (ص ٩)
خامسًا: أن في هذه الاستنباطات القرآنية تأصيلًا قرآني لبعض القضايا سواء الفقهية أو العقدية أو التربوية والسلوكية والتي قد يخفى تأصيلها قرآنيًا.
سادسًا: أن في هذه الدراسة إضافة لبيان جهود الحنابلة ﵏ في جانب مهم ودقيق من جوانب التفسير وهو الاستنباط من القرآن ولكن وفق الطرق الصحيحة للاستنباط.
وأما حدود البحث:
فالاستنباطات المراد دراستها هنا هي التي لا يدل عليها النص مباشرة وإنما تؤخذ من إحدى دلالات النص كدلالة الالتزام أو التضمن أو المفهوم ونحو ذلك، وبهذا لا يدخل في هذا البحث ما دل عليه النص دلالة ظاهرة مما لا يحتاج إلى استنباط.
وقد قمت بتتبع استنباطات العلامة السعدي ﵀ من القرآن الكريم فبلغت (٤٥٠) أربعمائة وخمسين استنباطًا تقريبًا مابين استنباطات عقدية وأخرى فقهية وغيرها لغوية وكذلك مناسبات بين الآيات أو مناسبات ألفاظ لآيات وكذلك استنباط قواعد أصولية وفقهية، واستنباطات تربوية وسلوكية وغيرها في السياسة الشرعية ونحو ذلك.
وكانت خُطة البحث كالتالي:
يتكون البحث من مقدمة، وقسمين، وخاتمة، وفهارس، وذلك على النحو التالي:
1 / 8
المقدمة: وفيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره، وحدود البحث، وخطة البحث، ومنهج الكتابة فيه.
تمهيد: - تعريف الاستنباط لغة واصطلاحًا.
- وكذلك بيان أهميته، وكيفية الوصول إليه.
القسم الأول: الشيخ عبد الرحمن السعدي، ومنهجه في الاستنباط، وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: ترجمة موجزة للشيخ عبدا لرحمن السعدي، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حياته الشخصية، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، وكنيته، وأسرته.
المطلب الثاني: مولده، ونشأته، ورحلاته العلمية.
المطلب الثالث: مذهبه العقدي.
المطلب الرابع: مذهبه الفقهي.
المبحث الثاني: حياته العلمية، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: أشهر شيوخه وتلاميذه.
المطلب الثاني: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
المطلب الثالث: آثاره العلمية.
المطلب الرابع: وفاته.
الفصل الثاني: صيغ الاستنباط، وطريقة عرضها عند الشيخ السعدي، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: صيغ الاستنباط.
المبحث الثاني: طريقة عرض الاستنباط.
1 / 9
الفصل الثالث: موضوعات الاستنباط من القرآن عند الشيخ السعدي، وفيه ثمانية مباحث:
المبحث الأول: استنباطات في علوم القرآن.
المبحث الثاني: استنباطات عقدية.
المبحث الثالث: استنباطات فقهية.
المبحث الرابع: استنباطات أصولية.
المبحث الخامس: استنباطات لغوية.
المبحث السادس: استنباطات إعجازية.
المبحث السابع: استنباطات تربوية وسلوكية.
المبحث الثامن: استنباطات السياسة الشرعية.
الفصل الرابع: منهج الشيخ السعدي في طرق الاستنباط من القرآن، وفيه أحد عشر مبحثًا:
المبحث الأول: الاستنباط بدلالة الالتزام.
المبحث الثاني: الاستنباط بدلالة المفهوم (مفهوم المخالفة).
المبحث الثالث: الاستنباط بدلالة النص (مفهوم الموافقة).
المبحث الرابع: الاستنباط بدلالة الاقتران.
المبحث الخامس: الاستنباط بدلالة التضمن.
المبحث السادس: الاستنباط بالقياس.
المبحث السابع: الاستنباط بدلالة المطرد من أساليب القرآن.
المبحث الثامن: الاستنباط من نص ظاهر المعنى.
المبحث التاسع: الاستنباط من نص خفي المعنى.
المبحث العاشر: الاستنباط من نص واحد.
1 / 10
المبحث الحادي عشر: الاستنباط بالربط بين نصين أو أكثر.
الفصل الخامس: تأثر الشيخ السعدي باستنباطات المفسرين، وموقفه منها، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تأثره باستنباطات المفسرين.
المبحث الثاني: موقفه من استنباطات المفسرين.
المبحث الثالث: مميزات استنباطاته.
القسم الثاني: دراسة استنباطات الشيخ السعدي من القرآن الكريم من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
الخاتمة: وفيها بيان لأهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.
الفهارس الفنية للبحث، وهي:
١ - فهرس الآيات القرآنية.
٢ - فهرس القراءات.
٣ - فهرس الأحاديث، والآثار.
٤ - فهرس الأعلام المترجم لهم.
٥ - فهرس الفرق والقبائل.
٦ - فهرس البلدان والأماكن.
٧ - فهرس المصادر والمراجع.
٨ - فهرس الموضوعات.
وأما بالنسبة لمنهجي في البحث، فقد سلكت المنهج الاستقرائي التحليلي، وذلك كالتالي:
١ - قمت بجمع المادة العلمية في الاستنباطات من مؤلفات السعدي، ثم رتبتها على حسب ترتيب السور والآيات، وفيما يتعلق بالاستنباطات من القصص القرآني رتبته حسب الآيات دون النظر إلى ترتيب السعدي، وعندما يذكر الاستنباط بالأرقام فإني أحذف الأرقام مكتفيًا بقوله"منها"أو"فيها".
٢ - كتبت من الآية ما يتعلق بالاستنباط فقط - قبل ذكر استنباط السعدي - مع عزوها إلى سورتها ورقم الآية.
٣ - التزمت بنص كلام السعدي في الاستنباط دون غيره من الاستطرادات مع التعليق علي ما يحتاج إلى إيضاح في الحاشية.
٤ - رقمت الاستنباطات برقم تسلسلي عام يبدأ من أول الرسالة حتى
1 / 11
نهايتها، وإذا تكرر الاستنباط فإني اكتفي بذكره عند الآية الأولى وأشير إلى مواضع الباقي فقط، وأما إذا ذكر في الآية أكثر من استنباط فدرست كل استنباط على حده وبرقم خاص.
٥ - بعد كتابة استنباط الشيخ السعدي تأتي دراسة الاستنباط مباشرة تحت عنوان «الدراسة».
٦ - وكانت دراستي لاستنباطات الشيخ السعدي من خلال:
أ - بيان وجه الاستنباط.
ب- تحليل الاستنباط ببيان حجية استنباطه ونوع دلالة الآية عليه.
ج- عندما يكون في الاستنباط خلاف فإني أذكر من وافق أو خالف في الاستنباط مع بيان البراهين ثم تحديد المختار مع دليله تحت ما يسمى بالنتيجة.
٧ - قمت بتوثيق القراءات، المتواتر منها والشاذ، وعزوها إلى مصادرها الأصلية.
٨ - قمت بتخريج الأحاديث وعزوها إلى مصادرها، وما أخرجه الشيخان أو أحدهما فإني أعزوه إليهما، أو إلى أحدهما وأكتفي بذلك، وما لم يخرجه الشيخان أو أحدهما فإني أنقل كلام أهل العلم عليه بالقبول أو الرد إن وُجِد.
٩ - قمت بتخريج الآثار وعزوها إلى مصادرها.
١٠ - قمت بإحالة كلام أهل العلم إلى موضعه في كتبهم إن كانت موجودة أو إلى أوثق المصادر المعتمدة في ذلك.
١١ - شرحت الألفاظ الغريبة وبينت معانيها من مصادرها المعتمدة.
١٢ - قمت بالتعريف بالأعلام غير المشهورين دون غيرهم، وكذلك التعريف بالفرق والأماكن والبلدان في أول موطن ترد فيه.
1 / 12
١٣ - عزوت إلى المصادر، مع عدم ذكر اسم المؤلِّف إلا إذا كان اسم الكتاب مُشترَكًا بين أكثر من واحد.
١٤ - أغفلت ذكر المعلومات التفصيلية عن المصادر أثناء البحث اكتفاء بذكرها في فهارس المصادر والمراجع.
١٥ - رتبت المصادر أثناء البحث حسب وفاة مؤلفيها.
١٦ - ذيلت البحث بفهارس عدة منها: فهرس الآيات القرآنية، وفهرس القراءات، وفهرس الأحاديث النبوية والآثار، وفهرس الأعلام المترجم لهم، وفهرس الفرق والقبائل، وفهرس البلدان والأماكن، وفهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
وفي ختام هذه المقدمة أتوجه بالشكر إلى الله ﷾ على ما منَّ به علينا من توفيق وسداد، وتيسير، ثم أتقدم بالشكر لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة في كلية أصول الدين بالرياض "قسم القرآن وعلومه" على إتاحة هذه الفرصة المباركة.
كما أتقدم بالشكر والتقدير لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور /أحمد سعد محمد محمد الخطيب - وفقه الله - لما أسداه إليَّ من معروف باطلاعه على هذا البحث، ثم تتويج هذا الاطلاع برأي سديد، وتوجيه مفيد، فقد وجدت فيه المشرف المحقق، المدقق، الناصح، قراءة دقيقة، وأمانة عميقة، وخلق حسن، وجودة إقناع، وعناية فائقة بكل ما يثري البحث ويفيد الباحث، فله مني الشكر والدعاء، وله من الله الأجر والثواب.
كما أتقدم بالشكر إلى وزارة الشؤون الإسلامية ممثلة في معالي الوزير / صالح بن
عبد العزيز آل الشيخ، وفضيلة الشيخ / صالح بن إبراهيم الدسيماني، مدير عام فرع الوزارة بنجران، على ما أولوني من اهتمام بالموافقة على مواصلة الدراسات العليا وتسهيل كثير من الأمور في ذلك.
كما أتقدم بالشكر لمركز الشيخ ابن سعدي للدراسات والبحوث التابع للجمعية الخيرية الصالحية بعنيزة، على تعاونهم معي وتزويدي بموسوعة مؤلفات السعدي الإلكترونية.
كما أشكر كل من أعانني برأي أو نصح أو إعارة أو غير ذلك، وهم
1 / 13
كُثر ولولا خشية الإملال لسطرت أسماءهم وفاء لهم، ولكن لهم مني الدعاء بالتوفيق والسداد.
وأخيرًا هذا جهد المُقِل، ولا أدعي أني أعطيت البحث حقه، ولكني بذلت ما بوسعي في حدود علمي وفهمي، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله وأتوب إليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الباحث
سيف بن منصر بن علي الحارثي
1 / 14
التمهيد
1 / 15
تمهيد:
- تعريف الاستنباط لغة واصطلاحًا
الاستنباط لغة: من النبط، والنَّبَط الماء الذي يَنْبُطُ من قعر البئر إِذا حُفرت وقد نبَطَ ماؤها ينْبِطُ ويَنْبُطُ نَبْطًا ونُبوطًا، وأَنبطنا الماءَ أَي استنبطناه وانتهينا إِليه، وكل ما أُظهر فقد أُنْبِط واسْتَنْبَطه، واستنبط منه علمًا وخبرًا ومالًا استخرجه، والاسْتنْباطُ الاستخراج واستنبَطَ الفَقِيهُ إِذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمِه قال الله ﷿: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]. قال الزجّاج معنى يستنبطونه في اللغة يستخرجونه وأَصله من النبَط وهو الماء الذي يخرج من البئر أَوّل ما تحفر (^١).
اصطلاحًا: استخراج ما خفي المراد به، من اللفظ (^٢).
وعليه فالاستنباط من القرآن هو: استخراج المعاني، والأحكام، والحكم، والمناسبات، الخفية، من القرآن الكريم، بطريق صحيح (^٣).
ولم يتعرض السعدي لتعريف الاستنباط تعريفًا دقيقًا كفعل أهل التعريفات، ولكن من خلال كلام السعدي عن التدبر، وكيفية فهم معاني
_________
(^١) انظر: لسان العرب/نبط (١٤/ ١٧٦).
(^٢) هذا التعريف نسبه النووي إلى العلماء، انظر: تهذيب الأسماء واللغات (٧٨٦).
(^٣) انظر: الاستنباط من النص شروطه وضوابطه د. محمد ميغا (١٤٩)، ومنهج الاستنباط من القرآن للوهبي (٤٥).
1 / 17
القرآن، وأن من هذه المعاني ما يكون بعد معنى اللفظ، ويظهر بطريقة اللازم، ظهر من ذلك إشارة من السعدي لمعنى الاستنباط، فقال السعدي في تقرير ذلك: (التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه، وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ بمفرده، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ، والذي يوجب له الجزم بأن الله أراده أمران:
أحدهما: معرفته وجزمه بأنه من توابع المعنى والمتوقف عليه.
والثاني: علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه.
وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني. وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحًا) (^١).
- بيان أهمية الاستنباط، وكيفية الوصول إليه
إن أفضل درجات العلم للعباد طريق الاستنباط، ألا ترى أن من يكون مستنبطًا من الأمة فهو على درجة ممن يكون حافظًا غير مستنبط (^٢)، وقد مدح الله أهل الاستنباط في كتابه، وأخبر أنهم أهل العلم (^٣)، وتبرز أهمية الاستنباط وآكديته عندما نعلم أن بعض الأحكام الشرعية طريق معرفتها هو الاستنباط، قال النووي: (وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]. فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة، بأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط، فات القضاء في
_________
(^١) انظر: تفسير السعدي (٧٣٢).
(^٢) انظر: أصول السرخسي (٢/ ٩٤).
(^٣) انظر: أعلام الموقعين (١/ ٢١٤).
1 / 18
معظم الأحكام النازلة أو في بعضها) (^١)، وقال الجصاص: (فثبت بذلك أن من أحكام الله ما هو منصوص عليه، ومنها ما هو مودع في النص قد كُلفنا الوصول إلى علمه بالاستدلال عليه واستنباطه، فعلى العلماء استنباط أحكام الحوادث والتوصل إلى معرفتها بردها إلى نظائرها من المنصوص) (^٢).
وقد أشار السعدي إلى أهمية الاستنباط، بأنه سبب لتحصيل العلم العظيم، فقال: (بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير، بحسب ما وفقه الله له، وقد كان في تفسيرنا هذا، كثير من هذا منّ به الله علينا) (^٣)، وقال في موضع آخر: (وأكثر من هذا التفكير وداوم عليه، حتى تصير لك ملكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة. فإن القرآن حق، ولازم الحق حق، وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرع عن الحق حق، ذلك كله حق ولابد، فمن وفق لهذه الطريقة وأعطاه الله توفيقًا ونورًا، انفتحت له في القرآن، العلوم النافعة، والمعارف الجليلة، والأخلاق السامية، والآداب الكريمة العالية) (^٤).
كيفية الوصول إلى الاستنباط:
للوصول إلى الاستنباط خطوات، وشروط في المستنبط، وشروط في المعنى المستنبط، لا بد من مراعاتها للوصول إلى الاستنباط.
فالخطوة الأولى المهمة، والتي تعتبر أساسًا للاستنباط هي معرفة معنى اللفظ، وفهمه فهمًا صحيحًا؛ لأن عدم فهم النص يترتب عليه
_________
(^١) انظر: شرح النووي لصحيح مسلم (١١/ ٤٩).
(^٢) انظر: أحكام القرآن للجصاص بتصرف (٢/ ٢٧٠).
(^٣) انظر: تفسير السعدي (٧٣٢).
(^٤) انظر: القواعد الحسان للسعدي (١٩).
1 / 19
استنباطًا خاطئًا، قال السعدي في ذلك: (بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ) (^١)، وقال كذلك: (والطريق إلى سلوك هذا الأصل النافع: أن تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني فإذا فهمتها فهمًا جيدًا، ففكر في الأمور التي تتوقف عليها، ولا تحصل بدونها، وما يشترط لها، وكذلك فكر فيما يترتب عليها، وما يتفرع عنها، وينبني عليها، وأكثر من هذا التفكير وداوم عليه، حتى تصير لك ملكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة، فإن القرآن حق، ولازم الحق حق، وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرع عن الحق حق، ذلك كله حق ولابد، فمن وفق لهذه الطريقة وأعطاه الله توفيقًا ونورًا، انفتحت له في القرآن العلوم النافعة، والمعارف الجليلة، والأخلاق السامية، والآداب الكريمة العالية) (^٢).
أما المستنبط فلا بد أن تتوفر فيه بعض الشروط؛ إذ الاستنباط علم دقيق، خفي، يحتاج إلى شخص تتوفر فيه شروط ليس كغيره من أهل العلم، وقد أشار السعدي إلى بعض الشروط إجمالًا فقال: (كما أن المفسر للقرآن يراعي ما دلت عليه ألفاظه مطابقة، وما دخل في ضمنها، فعليه أن يراعي لوازم تلك المعاني، وما تستدعيه من المعاني التي لم يعرج في اللفظ على ذكرها، وهذه القاعدة: من أجل قواعد التفسير وأنفعها، وتستدعي قوة فكر، وحسن تدبر، وصحة قصد، فإن الذي أنزله للهدى والرحمة هو العالم بكل شيء، الذي أحاط علمه بما تكن الصدور، وبما تضمنه القرآن من المعاني، وما يتبعها وما يتقدمها، وتتوقف هي عليه) (^٣)، وقال كذلك: (لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه وكثرة التفكر في
_________
(^١) انظر: تفسير السعدي (٧٣٢).
(^٢) انظر: القواعد الحسان للسعدي (١٩).
(^٣) انظر: القواعد الحسان للسعدي (١٩).
1 / 20
ألفاظه ومعانيه ولوازمها، وما تتضمنه، وما تدل عليه منطوقًا ومفهومًا، فإذا بذل وسعه في ذلك فالرب أكرم من عبده، فلا بد أن يفتح عليه من علومه أمورًا لا تدخل تحت كسبه) (^١)، ومن الشروط المطلوبة في المستنبط كذلك (^٢):
١ - صحة الاعتقاد، والعدالة، والبعد عن الأهواء والتعصب.
٢ - الملكة الفطرية والمكتسبة للحفظ والفهم، وهي أن يكون عنده صفاء ذهن ونفاذ بصيرة، وحدة ذكاء، وقدرة فطرية على النظر والاستدلال.
٣ - العلم من اللغة العربية ما يحسن به الفهم.
٤ - العلم بأصول الفقه، خصوصًا ما يتعلق بالعام والخاص، والمطلق والمقيد، وأنواع الدلالات.
٥ - العلم بأصول التفسير.
٦ - العلم بالفقه ومذاهب العلماء في الأحكام الشرعية.
٧ - العلم بأصول الحديث، والقدرة على التمييز بين الصحيح والضعيف.
٨ - العلم بالنظائر وطرق الإلحاق.
٩ - العلم بالاصطلاحات والحدود عند كل أهل فن مما يحتاج إليه في الاستنباط.
١٠ - العلم بمقاصد الشريعة من حيث الجملة والتفصيل.
١١ - العلم بالقواعد الشرعية الكلية.
_________
(^١) انظر: تفسير السعدي (٣٠).
(^٢) انظر: الاستنباط من النص شروطه وضوابطه د. محمد ميغا (١٥٢ - ١٥٥)، ومنهج الاستنباط من القرآن للوهبي (١٩٩ - ٢٤٠).
1 / 21