207

Inference by Al-Khatib Al-Sharbini in His Interpretation of Al-Siraj Al-Munir

الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير

Géneros

قال-: الوجه الثاني: أن العهد قد يستعمل في كتاب الله بمعنى الأمر، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ [يس: ٦٠] يعني ألم آمركم بهذا، وقال الله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا﴾ [آل عمران: ١٨٣] يعني أمرنا، ومنه عهود الخلفاء إلى أمرائهم وقضاتهم، إذا ثبت أن عهد الله هو أمره فنقول: لا يخلو قوله ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ من أن يريد أن الظالمين غير مأمورين، وأن الظالمين لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله تعالى، ولما بطل الوجه الأول لاتفاق المسلمين على أن أوامر الله تعالى لازمة للظالمين كلزومها لغيرهم ثبت الوجه الآخر، وهو أنهم غير مؤتمنين على أوامر الله تعالى وغير مقتدى بهم فيها فلا يكونون أئمة في الدين، فثبت بدلالة الآية بطلان إمامة الفاسق). (^١) وقد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن الظالم ليس بأهل للإمامة، وأطال الزمخشري في إثبات ذلك وأكثر من الشواهد في تقريره، وأجازوا الخروج على الإمام تبعًا لذلك. (^٢) والصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه الآية تصلح دليلًا لمنع عقد الإمامة للفاسق، أما إذا طرأ عليه الفسق حال إمامته فالذي عليه أكثر العلماء (^٣) أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه. (^٤)

(^١) التفسير الكبير (٤/ ٣٨ - ٣٩) (^٢) ينظر: الكشاف (١/ ١٨٤ ومابعدها) (^٣) ينظر: حاشية ابن عابدين (١/ ٣٨)، وحاشية الدسوقي (٤/ ٢٩٩)، ومواهب الجليل (٦/ ٢٧٧)، وروضة الطالبين (١٠/ ٥٠)، والأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧، والأحكام السلطانية لأبي يعلي ص ١٤. (^٤) لأن في الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي السفهاء، وشن الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض. قال الدسوقي: يحرم الخروج على الإمام الجائر لأنه لا يعزل السلطان بالظلم والفسق وتعطيل الحقوق بعد انعقاد إمامته، وإنما يجب وعظه وعدم الخروج عليه، إنما هو لتقديم أخف المفسدتين. حاشية الدسوقي (٤/ ٢٩٩).

1 / 207