Mujer de Kambu Kdis
امرأة من كمبو كديس
Géneros
ولكن كبرياء أولاد المدينة ولابسي «مناطلين الجينز» والتي شيرتات ذات الألوان الباهية يسيطر علي، وحقيبتي على كتفي توهمني بأن بها كل ما أريد ولا أحتاج لأحد؛ حتى إذا لم أجد جدي، أنا أعرف كيف أتصرف، نعم أنا لا أعرف جغرافيا المكان بالقدر المطلوب، ولكنني لست في سيبيريا أو غابات الأمازون، أنا في السودان وفي الشرق نحو الجنوب قليلا، حقيقة أن بهذه المنطقة دارت حروب طاحنة لفترة طويلة من الزمان، إلا أنها مفتوحة ومعروفة لدى الجميع، ولا يوجد شيء غامض في هذا البلد، ولا أراض لم تطأها قدم إنسان ولا ثعابين تطير ولا ... ولا. لكن يقصد شنو ب «الله يكون في عونك؟»
سلكت طريق المشاة عبر غابة النبق والدوم، وكنت أصادف بين حين وآخر بعض نباتات القنا العملاقة، رأيت قردا صغيرا، رأيت قردين، رأيت أرنبا كبيرا رأيت قطين متوحشين، ورأيت ثعبانا صغيرا، رأيت طائر هدهد كبيرا يحفر الأرض بمنقاره ويصطاد الدود، رأيت قردا كبيرا على شجرة دوم، رأيت فأرين. فهي مشاهدات عادية في مثل هذه الأمكنة، وأنا أيضا مشاهد عادي بالنسبة لها؛ فلم تخف مني الأشياء ولم أخف منها، ولو أنني فزعت عندما رأيت القرد الكبير أمامي فجأة على شجرة الدوم، ثم عندما ابتعدت عنه، عدة خطوات ورماني بدومة، ثم رماني بدومتين ثم استطاع أن يصيب رأسي بدومة تؤام كبيرة الحجم هرولت قليلا، وبعد عدة متعرجات شوكية أصعدني الطريق ربوة عالية، عن طريقها استطعت أن أرى قطاطي القرية والتي تبعد ما لا يقل عن خمسة كيلو مترات.
صعدت على هيكل دبابة قديمة محطمة وأخذت أنظر إلى اتجاهات الدنيا الكثيرة، بدا واضحا لدي أن هذا المكان هو الذي شهد المعركة الحاسمة بين الجيش والمليشيات، وهي المعركة الوحيدة في التاريخ التي انتهت بهزيمة الجيشين في آن واحد، أسماها الجيش: «معركة الفتح المبين» وأسمتها المليشيات: «نصر الله» فالمليشيات كانت تريد أن تسيطر على الكبري الذي يعبر النهر، أو إذا لم تستطع الاحتفاظ به في إدارتها العسكرية عليها تدميره؛ لكي لا يستخدمه الجيش في أغراض عسكرية، والجيش أيضا كان له نفس الهدف: تدمير الكبري أو السيطرة عليه، أما الكبري نفسه فقد بناه سكان القرية الذين يعملون في الصيد غير الشرعي للحيوانات البرية من الغابة المقفولة، والتي تقع في الجزء الشرقي من النهر، بنوه مستخدمين سيقان المهوقنى والتك العملاقة.
وهو كبري عائم يرتفع مع ارتفاع النهر وينخفض مع انخفاض منسوب النهر، مربوطا من نهايات أركانه الأربع بنوع من الحبل الذي لا يمكن أن ينقطع نتيجة لأي قوة شد، وهو مصنوع من جلد فرس البحر المعالج بالقطران وألياف الرافيا والسعف ولحاء بعض الأشجار الأخرى، مشدود على شجيرات عرديب، ثلاث بالشاطئ الشرقي وأربع بالشاطئ الغربي للنهر، يستطيع هذا الكبري أن يمرر دبابة ضخمة من طراز 55 الروسية ذات البرج العالي المجنزرة والتي تزن خمسين طنا من الحديد الصلب والذخائر والجنود المدججين بالموت والذكريات، أما ناقلات الجنود الأمريكية الرشيقة والتي تخص المليشيات فإنها تنزلق على الكبرى مثل لعب الأطفال.
دعنا من الجيش والحروب، قلت لنفسي، ولو أن ذكرى الجيوش والمعارك تثيرها مشاهدات المقذوفات الفارغة وخوذات العسكر والآليات المحترقة التي ترمى هنا وهناك بين المقابر الجماعية، على أفرع الأشجار، أو مدفونة في الأرض.
بعد مغيب الشمس بقليل كنت عند مطلع القرية، وبدا صوتها واضحا؛ نباح الكلاب، نهيق الحمير، نداء الأمهات لأطفالهن، بين وقت وآخر يعلو صوت رجل راطنا أو مغنيا أو لاعنا أو مجيبا لنداء، تذكرت أن أحد الذين قابلوني في الطريق قال لي: منزل جدك هذا قرب النهر، لكي أذهب إلى النهر لا بد من عبور الحلة كلها، وحل الظلام الآن، تراكمت بعض السحب الداكنة سريعا في شرق السماء، عندما ناديت أهل أول بيت من خلف زريبة شوكهم: يا ناس البيت سلام.
رد علي صوت امرأة شابة: أهلا وسهلا، اتفضل، منو؟
كان الظلام دامسا، لا أرى ولا أرى ولكن الصوت الحنين الدافئ القادم من الداخل، بلهجته الصعيدية الحميمة، أصابني بالطمأنينة، وربما لما يحمله من أنوثة ملحوظة، وأنا شخص طالما وصفني أصحابي بأنني أميز هذه الأشياء، وقطع سلسال تفكيري صوتها سائلا: منو؟ - أنا ضيف.
وانضم للصوت الأول حمحمة امرأة عجوز ويبدو أنها الأم: اتفضل قدام.
وجاءتا ببطارية لترشداني إلى المدخل، والذي يقع على الجانب المقابل لموقفي، فمشيت نصف الدائرة شمالا إلى أن وجدتهما واقفتين، أجلست على راكوبة صغيرة تفوح من جوانبها رائحة الروب والسمن والشرموط، أيضا السمك المجفف، يبدو أن خلف الراكوبة يوجد حمار أو حماران، فصوت زفير منخر ضخم كان يصلني من هنالك، وشخير عميق يأتي لسمعي من عمق ظلام القطية، قدمتا لي ماء من زير قريب بارد، سألتني الأم والتي ما زلت لا أستطيع أن أتبين ملامح وجهها: من وين جيت ؟ - من القضارف. - أنت ود منو؟ - أنا ود الحاج عندلة.
Página desconocida