كتاب الإملاء المختصر في شرح غريب السير بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه قال الشيخ الفقيه القاضي العلامة المتفرد المحدث اللغوي النحوي المتفنن أبو ذر ابن الشيخ الإمام العلامة المرحوم أبي بكر محمد بن مسعود الخشني ﵃: الحمد لله باعث الرسل، وناهج السبل، الذي هدانا للإسلام، وشرفنا بملة نبيه محمد ﵇، تخيره من أكرم نسب، وجعله سيد العجم والعرب، ثم بعثه بآياته الطاهرة، وأيده بمعجزاته الباهرة، وأمره بجهاد من صد عن سبيله، ولم يجب داعي الله ورسوله، فجاهد في الله حق جهاده، حتى ظهر دين الحق الذي ارتضاه لعباده، ثم توفاه وقد أكمل له الدين، وختم به النبيين، فصلوات الله عليه وعليهم أجمعين. وبعد فهذا إملاء أمليته من حفظي بلفظي على كتاب سيرة رسول الله ﷺ، التي تقدم محمد بن إسحق إلى جمعها وتلخيصها وعني عبد الملك بن هشام بعده بتهذيبها وتخليصها، أو أن سمع هذا الكتاب مني، وقيدت رواياته بطرقها عني، قصدت فيه شرح ما استبهم من غريبه ومعانيه،

1 / 1

وإيضاح ما التبس تفسيره على حامله وراويه، مع اختصار لا يخل وإيجاز يتم به البيان ويستقل لم يقصد فيه قصد التأليف فتمد أطنابه، ولا ينحى به نحو التصنيف فتمهد فصوله وأبوابه، وإنما هي عجالة الخاطر وغنية الناظر، ثم عرض علي هذا الإملاء بعد كماله فتصفحته، ورغب في حمله عني فبعد لأي ما أذنت في ذلك وأبحته، والله سبحانه ينفعنا بما قصدنا، ويجزل ثوابنا على ما ابتغيناه فيه وتوخيناه، فمنه العدل والإحسان، وعليه الاعتماد والتكلان، لا رب غيره، ولا خير إلا خيره. قال الشيخ الفقيه أبو ذر رضى الله عنه روى لنا سيرة رسول الله ﷺ عن عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحق، فأما محمد بن إسحق فهو أبو بكر محمد بن إسحق بن يسار مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، ولذلك يقال في نسبه المطلبي وهو من كبار المحدثين في المغازي والسير وكان الزهري يثني عليه بذلك ويفضله على غيره وهو مدني توفي ببغداد سنة إحدى وخمسين ومائة. وأما زياد بن عبد الله فهو أبو محمد زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي الكوفي، نسب إلى البكاء

1 / 2

بن عمرو بن ربيعة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان، وهو من أصحاب الحديث، أخرج له البخاري ومسلم، وأما ابن هشام فهو أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري البصري نزيل مصر، وكان من أهل المعرفة باللغة والغريب والتاريخ والنساب ومات بمصر سنة ثلاث عشر ومائتين. تفسير ما في نسب رسول الله ﷺ من غريب (قوله): إلى معد بن عدنان، وما بعد ذلك فهي أسماء أعجمية منها ما يوافق العربي في الاشتقاق والتصريف ومنها ما يخالفه، والنسابون يختلفون فيما فوق عدنان اختلافًا كثيرًا، قال ابن هشام، واسم عبد مناف المغيرة مناف اسم صنم أضيف عبد إليه كما يقولون عبد يغوث وعبد العزى وعبد اللات، وقصي يقال اسمه زيد، ويقال اسمه مجمع، ولؤي تصغير لآي وهو الثور الوحشي، وقد يكون تصغير لأي وهو البطء والمشهور فيه الهمز، والفهر حجر على مقدار ملء الكف، يذكر ويؤنث، والنضر الذهب الأحمر، وإلياس مختلف فيه، فمنهم من يقول فيه اليأس موافق للذي هو خلاف الرجاء، وهو مصدر يئس ويستدل على ذلك بقول رؤبة بن

1 / 3

العجاج: أمهتي خندف واليأس أبي: وبقول ابن هرمة: أصيب بداء يأس فهو مودي، أي هالك وبعضهم يقول فيه: إلياس بكسر الهمزة، ومضر الأبيض، مشتق من اللبن الماضر وهو الحامض، ونزار من النزارة وهي القلة، ومعد من تمعدد إذا اشتد، ويقال متعدد أيضًا أي أبعد في الذهاب، وعدنان مأخوذ من عدن في المكان إذا أقام فيه، ومنه جنات عدن أي جنات إقامة وخلود، وقوله في ولد إسماعيل، وطيماء كذا وقع هنا بالطاء المهملة مكسورة ومفتوحة، وقيده الدارقطني، وظمياء بالظاء المعجمة ممدودًا وتقديم الميم. (وقوله): وأمهم بنت مضاض اسمها السيدة في ما ذكر الدارقطني ﵀، ويقال مضاض بكسر الميم أيضًا، (وقوله): مولى عفرة بنت بلال مولى أبي بكر الصديق ﵁، (وقوله): أهل المدرة السوداء، المدرة هنا (١٠٨) والبلدة والسحم السود واحدهم أسحم وسحماء، والجعاد هم الذين في شعرهم تكسير (وقوله): تسرر فيهم، يقال تسرر الرجل وتسرى إذا اتخذ أمة لفراشه (وقوله): بسد مأرب: مأرب قصر كان بناه بعض الملوك بذلك الموضع وكان به ماء، ويقال فيه مأرب ومارب مهموز وغير مهموز

1 / 4

وهو الصحيح فيه، ومن قال مآرب فكأنه جمع المكان مع ما حوله، (وقوله): ابن الأزد بن الغوث قال الخشني، يقال الأزد والأسد والأصل في الأزد ابن الغوث، (وقوله): ويقال عدنان بن الريث قال الدارقطني: الريث بن عدنان وابنه عك بن الريث بالثاء المعجمة بثلاث، (وقوله) في هذا النسب: منهم عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد بن الغوث قال أبو علي الغساني صوابه عدنان بن عبد الله، (وقوله): لأنه أول من سبى في العرب بن يعرب بن يشجب، قال الشيخ أبو ذر رضى الله عنه: الصواب تقديم يشجب على يعرب، وقد ذكره ابن هشام بعد هذا، (وقوله): ابن بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، كذا وقع أسلم هنا بضم اللام وفتحها، وأسلم بضم اللام وهو الصواب، وكذلك قيده الدارقطني ﵀. (وقوله): ابن الحاف بن قضاعة، إلحاف منهم من يكسر همزته ويقطعها، كأنه سمي بمصدر ألحف في المسألة، إذا بالغ فيها، ومنه قوله تعالى: لا يسألون الناس إلحافًا، ومنهم من يجعل الألف واللام فيه للتعريف، بمنزلة اسم الفاعل من حفي يحفى، وقول عمرو بن مرة

1 / 5