قوله تعالى (فهم لا يرجعون) جملة مستأنفة، وقيل موضعها حال وهو خطأ، لأن ما بعد الفاء لا يكون حالا، لأن الفاء ترتب، والأحوال لا ترتيب فيها، ويرجعون فعل لازم، أي لا ينتهون عن باطلهم، أو لا يرجعون إلى الحق، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره: فهم لا يردون جوابا، مثل قوله: " إنه على رجعه لقادر " قوله تعالى (أو كصيب) في " أو " أربعة أوجه: أحدها أنها للشك، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب، كقوله: " إلى مائة ألف أو يزيدون ": أي يشك الرائى لهم في مقدار عددهم، والثانى أنها للتخيير: أي شبهوهم بأى القبيلتين شئتم، والثالث أنها للإباحة، والرابع أنها للإبهام، أي بعض الناس يشبههم بالمستوقد، وبعضهم بأصحاب الصيب، ومثله قوله تعالى " كونوا هودا أو نصارى " أي قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، ولايجوز
عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو، ولا على بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله " كمثل الذى " ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره: أو مثلهم كمثل صيب، وفى الكلام حذف تقديره: أو كأصحاب صيب، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون، والمعنى على ذلك، لأن تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لابنفس المطر، وأصل صيب: صيوب على فيعل، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها، ومثله: مين وهين، وقال الكوفيون: أصله صويب على فعيل، وهو خطأ، لأنه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل (من السماء) في موضع نصب " ومن " متعلقة بصيب، لأن التقدير: كمطر صيب من السماء، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل، ومن لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف: أي كصيب كائن من السماء، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة، ونظائره تقاس عليه (فيه ظلمات) الهاء تعود على صيب، وظلمات رفع بالجار والمجرور لأنه قد قوى بكونه صفة لصيب، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم، وفيه على هذا ضمير، والجملة في موضع جر صفة لصيب، والجمهور على ضم اللام، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا، وفيه لغة أخرى بفتح اللام، والرعد مصدر رعد يرعد، والبرق مصدر أيضا، وهما على ذلك موحدتان هنا، ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم: رجل عدل وصوم (يجعلون) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لأصحاب صيب، وأن يكون مستأنفا، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد، لأن حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ، وسيبويه يعده من الشذوذ (من الصواعق) أي من صوت الصواعق (حذر الموت) مفعول له، وقيل مصدر: أي يحذرون حذرا مثل حذر
الموت، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به (محيط) إصله محوط لأنه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء.
Página 22