وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه، وقيل هي بدل من ها، ألا تراك تقول: هذا وهذاك ولا يجوز هذلك، وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان وكسرت على أصل التقاء الساكنين، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر، إذ لو فتحتها فقلت ذلك لالتبس بمعنى الملك، وقيل ذلك هاهنا بمعنى هذا، وموضعه رفع إما على أنه خبر الم والكتاب عطف بيان ولاريب في موضع نصب على الحال أي هذا الكتاب حقا أو غير ذى شك وإما أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ولاريب حال، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ولاريب فيه الخبر، وريب مبنى على الأكثرين لأنه ركب مع لاوصير بمنزلة خمسة عشر، وعلة بنائه تضمنه معنى من، إذ التقدير لا من ريب، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفى الجنس.
ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفى الواحد وما زاد عليه، فإن قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه، إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر.
وقوله (فيه) فيه وجهان: أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف تقريره: لا ريب كائن فيه، فيقف حينئذ على فيه.
والوجه الثاني: أن يكون لاريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ
وفيه الخبر، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق " في " على الوجهين بفعل محذوف، وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى، وفى موضعه وجهان: أحدهما رفع إما مبتدأ أو فاعل على ما ذكرنا، وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف: أي هو هدى، وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر.
والوجه الثاني: أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه: أي لاريب فيه هاديا فالمصدر في معنى اسم الفاعل، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره: أحققه هاديا، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والإشارة الحاصل من قوله ذلك.
قوله تعالى (للمتقين) اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى لأنه مصدر والمصدر يعمل عمل الفعل، وواحد المتقين متقى، وأصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو ولامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الأخرى فقلت اتقى، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقى ومتقى اسم ناقص، وياؤه التى هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك: متقون ومتقين، ووزنه في الأصل مفتعلون، لأن أصله موتقيون فحذفت اللام لما ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع لأن علامة الجمع دالة على معنى إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى.
Página 11