El Imperio Islámico y los Lugares Sagrados
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Géneros
أطوار شتى
وهذا الكلام عن تطور صورة الحكم يصدق كل الصدق على النظام الإسلامي، فالفكرة العامة في هذا النظام واحدة، لكن آثار هذه الفكرة تطورت على القرون أطوارا شتى، وبدت في صور اختلفت باختلاف البيئة التي حلت بها، والأحداث التي وقعت أثناءها، والثورات التي كانت الإمبراطورية الإسلامية في العصور المختلفة مسرحها، فإذا أردنا أن نصور نظام الحكم في الإسلام تصويرا يقربه من أذهان أهل هذا الجيل، وجب علينا أن نقف وقفات سريعة عند طائفة من هذه الأطوار، ولعل وقفاتنا هذه تجلو لنا صورة تتمشى فيها الوحدة المستمدة من الحياة الإسلامية، وإن غشيت هذه الوحدة في كثير من الأحيان مظاهر تجعل من المتعذر محاولة إثباتها بمقارنة الحكم الإسلامي في عهد الخلفاء الراشدين وفي عهد آل عثمان مثلا.
ويجب أن تكون وقفتنا الأولى عند عهد النبي - عليه السلام - وخلفائه الأولين. وأول ما يلاحظ أن العهد المكي من حياة رسول الله لم يتعرض للدولة، ولم يجعلها غرضا من أغراضه، فقد اقتصرت السور المكية على الدعوة إلى التوحيد وإلى الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، وإلى السمو بالنفس الإنسانية عن الانخداع بالدنيا ومتاعها الغرور، لتكون بهذا السمو أقرب إلى الله وأدنى إلى رحمته. أما العهد المدني، فقد تقررت فيه القواعد الأساسية لحياة الأسرة وللميراث وللتجارة وللبيع، ولكثير مما فصله الفقهاء من بعد تطبيقا لهذه القواعد الأساسية، واستنباطا من حياة الجماعة التي كانوا يعيشون فيها.
على أن هذه القواعد الأساسية لشئون حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والخلقية، لم تتناول أي تفصيل في الأساس الذي تقوم عليه الدولة، ولم تتعرض لنظام الحكم تعرضا مباشرا. والآيتان الكريمتان:
وشاورهم في الأمر ،
وأمرهم شورى بينهم
لم تنزلا في مناسبات تتصل بنظام الحكم، وهما بعد لا تصوران نظام الحكم تفصيليا.
فهل يؤثر الإسلام النظام الجمهوري على النظام الملكي؟ لقد بويع الخلفاء الراشدون في العهد الأول للإسلام على قاعدة من الشورى ليست هي الانتخاب المباشر، وليس بينها وبين النظام البرلماني أو النظام النيابي شبه واضح. وأنت تستطيع مع ذلك أن ترى في بيعة الخليفة بعد تشاور أهل الرأي ما يجعله أدنى إلى رئيس جمهورية منه إلى ملك. أما الدول الأموية والعباسية وما تلاهما، فقد قامت على أساس ملكي لا يمت للمعنى الجمهوري بصلة أو نسب. أفنقول مع ذلك بأن أحد النظامين إسلامي والآخر غير إسلامي؟ من العسير أن نقرر ذلك بعد أن انعقد إجماع المسلمين خلال القرون على خلافه.
هذا، ثم إن فكرة الحكم لم تكن مفصلة القواعد في عهد النبي بعد الهجرة إلى المدينة، وهو
صلى الله عليه وسلم
Página desconocida