Fe, Conocimiento y Filosofía
الإيمان والمعرفة والفلسفة
Géneros
ما الدين وما العلم وما تعريف كل منهما تعريفا جامعا مانعا؟
الإسلام على خلاف سائر الأديان يتناول أمور الدين وأمور الدنيا ويحض على طلب العلم؛ فالعلماء عند المسلمين هم رجال الدين.
أساس العلم التطور والتجديد؛ ولذلك لا يمكن أن يقفل فيه باب الاجتهاد أو أن يجمد رجاله؛ ومن ثم سيسد أبدا حاجات البشر.
هذه وأمثالها هي المسائل والردود التي أدى إليها مقالنا عن الدين والعلم ورجال الدين ورجال العلم، وقد دلت هذه المسائل والردود على صدق نظريتنا من أن الدين والعلم لا خلاف بينهما؛ لأن لكل منهما ميدانا غير ميدان الآخر؛ وأن الخلاف منحصر بين رجال الدين ورجال العلم على الاستئثار بالسلطة وبنظام الحكم. وقد تظهر المسألة الأولى، مسألة تعريف الدين والعلم، بريئة من الدخول في خصومة ما بين رجال الدين ورجال العلم لو أنها طرحت للبحث النظري ليس غير. لكنها وردت على لسان أقوام ظاهر من بقية عبارتهم اشتراكهم في الخصومة. ففقدت بذلك طهرها وبراءتها أن شابها الغرض وأدت إليها الخصومة.
ونحن لم نعرض للمسألة في مقالنا الماضي؛ لنثير الخصومة بين رجال الدين ورجال العلم، ولكن لننفي الخصومة بين الدين والعلم ولنثبت أن ما يحسبه البعض خصومة بينهما ليس هو في الواقع إلا خصومة بين الرجال الذين ينتسبون لكل منهما، وأنها خصومة غايتها التسلط والحكم قبل أن تكون لها أية غاية أخرى. ونفي الخصومة بين الدين والعلم قد يحتاج إلى بعض إيضاح للمسائل التي ناقش بها بعضهم رأينا. ونعتقد اعتقادا لا ريب فيه أن الذين باحثونا أو أرادوا مباحثتنا سينتهون إلى الاتفاق معنا اتفاقا تاما وسيسلمون، سواء أكانوا من رجال الدين أم من رجال العلم، بأن الخصومة بينهم خصومة مادية محضة، العلم لذاته منها بريء، والدين لذاته منها بريء.
وأول ما نتقدم به للتدليل على رأينا الجواب عن سؤال السائل: ما العلم؟ وما الدين؟ ولا نريد منذ الآن أن نضع ما يسمونه تعريفا جامعا مانعا لكل منهما؛ لأن التعاريف كثيرا ما تجني على البحث الذي يؤدي إلى تصوير حقيقة واقعة من الوقائع، والدين والعلم واقعتان تاريخيتان في حياة الإنسانية. كما أن التعاريف كثيرا ما تؤدي إلى مناقشات جدلية لا طائل تحتها ولا نتيجة لها إلا زيادة التشعيب في المسائل التي يتناولها البحث تشعيبا لا ضرورة له، وكل أثره أن ييسر السبيل إلى الضلال.
على أنا نبادر من الآن لنقول: إنا لم نقصد بالعلم مجرد المعرفة، وإنما قصدنا به العلم الوضعي أو الواقعي كما يسمونه
Science Positive
ولم نقصد بالدين ديانة خاصة، بل قصدنا الأديان جميعا من غير تفريق بينها. ولو أنا قصدنا بالعلم مجرد المعرفة لكان الدين علما في رأي الوضعيين الذين ينظرون إليه كواقعة اجتماعية تاريخية؛ ولكان العلم بعض آثار الدين الذي أحاط بكل شيء علما.
ولا ريب في أن العلم قديم؛ لأن أبسط المعارف هي أولى درجات العلم، فمنذ رأى الإنسان الأول مشرق الشمس ومغربها، ومنذ رأى المغرب والمشرق يتكرران كل يوم فعرف أن هذا بعض نواميس الوجود وإن لم يدرك سره، ومنذ رأى النجوم ولاحظ ثبات بعضها في اتجاه معين فاتخذ منه هاديا في مسراه - من ذلك الحين كانت هذه المعارف الأولى؛ وما تزال؛ نواة العلم. وعلى توالي الأجيال تكاثرت وتداولت هذه المعارف التي تقع تحت الحس، والتي استنبط الإنسان منها نظام حياته بين الموجودات الكثيرة المختلفة التي تقع تحت حسه وملاحظته. وبتكاثرها وتداولها استطاع الإنسان التقريب بينها ومقارنتها واستنباط قوانين الوجود وسننه منها، واستطاع أن يستفيد بعلمه هذه القوانين والسنن ما يزيده سلطانا على الوجود وتحكما فيه واستمتاعا به.
Página desconocida