شرح حديث جبريل ﵇ في الإسلام والإيمان والإحسان المعروف باسم كتاب «الإيمان الأوسط» تأليف شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية دراسة وتحقيق الدكتور علي بن بخيت الزهراني

Página desconocida

[أصل هَذَا الْكتاب رِسَالَة علمية تقدَّم بهَا مؤلفها إِلَى قسم الدراسات الْعليا الشَّرْعِيَّة فرع العقيدة بجامعة أم الْقرى، وتمَّت مناقشتها بتاريخ ١٧/ ٢/ ١٤٢٠ هـ، ونال الْمُؤلف بهَا دَرَجَة الدكتوراه فِي الشَّرِيعَة الإسلامية فرع العقيدة بِتَقْدِير ممتاز مَعَ التوصية بطبع الرسَالَة]

1 / 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكما من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد: فإن خير ما صرفت فيه الأوقات، وبذلت فيه الجهود العناية بكتب العلماء المحققين من أهل السنّة والجماعة، لا سيما المتقدمين منهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله، والعكوف على مؤلفاتهم دراسة وتحقيقًا وتوضيحًا، والعمل الدؤوب لإحياء تراثهم العظيم، وتقديمه للأمة لتستنير به في طريق عودتها. وقد منّ الله ﷿ في أثناء البحث عن موضوع، لتقديمه للحصول على درجة الدكتوراه، بالعثور على نسخة نادرة لكتاب عظيم من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أثرى المكتبة الإسلامية -كما هو معروف- بحظ وافر من المصنفات القيمة، ومجموعة من المؤلفات النافعة، والتي لم تتأت إلا لقلة قليلة من العلماء، وهذا الكتاب هو كتاب "الإيمان الأوسط"، وبعد أن استخرت الله ﷿، رغبت في تحقيق ودراسة هذا الكتاب الهام، لنيل درجة الدكتوراه من قسم العقيدة، وجعلت عنوان البحث هو: "كتاب الإيمان الأوسط" لشيخ الإسلام ابن تيمية: دراسة وتحقيق.

1 / 5

ثم رأيت من خلال الدراسة أن اسم الكتاب الذي يترجح على غيره هو كتاب "شرح حديث جبريل ﵇ في الإسلام والإيمان والإحسان" فاستدلته بالعنوان المشهور "الإيمان الأوسط" وذلك لأسباب عدة موضحة في المبحث الأخير من مباحث الدراسة. أما الأسباب التي دعت إلى اختيار هذا الكتاب فهي على قسمين: أسباب عامة، وأسباب خاصة. أما الأسباب العامة فهي: أولًا: نفاسة المؤلفات التي خطتها يراعة شيخ الإسلام ابن تيمية، إذ كانت وما زالت مؤلفاته محط أنظار الباحثين، ومنتهى آمال الدارسين، بالإضافة أن ما كتبه شيخ الإسلام في موضوع الإيمان خصوصًا يتصدر قمة هذه المؤلفات أهمية ومكانة. ثانيًا: أهمية موضوع الإيمان بين موضوعات العقيدة، وخطورته، وضلال كثير من الفرق في بابه، مما يجعل من الأهمية بمكان إبراز منهج السلف الصالح في هذا الموضوع، وتحديد معالم ذلك المنهج، وهو ما نجده مكنوزًا بين دفتي هذا السفر النفيس "شرح حديث جبريل". ثالثًا: ضرورة تحديد كثير من المصطلحات المهمة المتصلة بالعقيدة، كمصطلح: الإيمان، والإسلام، والإحسان، والكفر، والنفاق، والزندقة، والفاسق وغيرها، والتي كثيرًا ما وقع اللبس وسوء الفهم فيها. أما الأسباب الخاصة فهي: أولًا: العثور على نسخة جديدة نسخت بعد موت المؤلف ﵀ بخمسة عشر عامًا فقط، أي في عام (٧٤٣ هـ). ثانيًا: أن النسخة المطبوعة الموجودة في مجموع الفتاوى نسخة ناقصة ومخرومة من نهايتها، كما أشار إلى ذلك الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ﵀ (١). _________ (١) الإيمان الأوسط (٧/ ٦٢٢)، ضمن مجموع الفتاوى.

1 / 6

وبالمقارنة بين النسختين، وُجد أن هناك خرمًا كبيرًا، ونقصًا كثيرًا، يبلغ تسع لوحات من الموضع الذي أشار إليه ابن قاسم حتى نهاية الكتاب، وبهذا النقص فإن كلام المصنف عن الإحسان يكتمل، وبالتالي يكون الكتاب كاملًا. وتمثل كل لوحة من المخطوط ثلاث صفحات من المطبوع، تكون هذه الزيادة في الكتاب على هذا الحساب (٢٧) صفحة طباعية. ثالثًا: كثرة الفروق بين المطبوع والمخطوط، فبالإضافة إلى هذه الزيادة النادرة في آخر الكتاب، فإن هناك فروقًا كثيرة مختلفة، حيت يوجد سقط في المطبوع، يصل في بعض الأحيان إلى أربعة أسطر متتابعة، هذا عدا التحريفات في المطبوع. ويتكون البحث من مقدمة وقسمين: المقدمة: وفيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، ومنهج التحقيق. القسم الأول: الدراسة، وتشتمل على تمهيد وعدة مباحث: التمهيد: موضوع الإيمان ومذاهب الطوائف فيه، وبيان الراجح منها، وقد تم فيه تعريف الإيمان في اللغة، وذكر مذاهب الناس فيه. المبحث الأول: دراسة موجزة عن المؤلف، وقد قمت بترجمة مختصرة للمؤلف، وحاولت التركيز فيها على جوانب لم تلق حظها من العناية -حسب علمي- ومن ذلك التركيز على أسرته العلمية، وتلامذته الكثيرين. المبحث الثاني: دراسة تحليلية وتفصيلية عن الكتاب، وهذا المبحث هو أهم مباحث الدراسة على الإطلاق، وقد جاء في سبع مسائل أصلية، وعدة مسائل فرعية. أما المسائل الأصلية فقد رتبت على النحو التالي: المسألة الأولى: أقسام الناس في عهد النبي ﷺ، وهم المؤمنون والكافرون والمنافقون.

1 / 7