والناس في مصنفاتهم: منهم من لا يروي عمن يعلم أنه يكذب، مثل مالك، وشعبة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل؛ فإن هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم، ولا يروون حديثا يعلمون أنه عن كذاب، فلا يروون أحاديث الكذابين الذين يعرفون بتعمد الكذب، لكن قد يتفق فيما يروونه ما يكون صاحبه أخطأ فيه.
وقد يروي الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم، لاتهام رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك، ليعتبر بها ويستشهد بها، فإنه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له أنه محفوظ، وقد يكون له ما يشهد بأنه خطأ، وقد يكون صاحبها كذبها في الباطن، ليس مشهورا بالكذب، بل يروي كثيرا من الصدق، فيروى حديثه.
وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذبا، بل يجب التبين في خبره كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } [الحجرات: 6] الآية، فيروى لتنظر سائر الشواهد: هل تدل على الصدق أو الكذب؟.
وكثير من المصنفين يعز عليه تمييز ذلك على وجهه، بل يعجز عن ذلك، فيروي ما سمعه كما سمعه، والدرك على غيره لا عليه وأهل العلم ينظرون في ذلك وفي رجاله وإسناده.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات. وهذا يعرفه أهل العلم بالحديث، والمرجع إليهم في ذلك. ولذلك لا يوجد هذا في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها أهل العلم بالحديث.
Página 53