وصنفت كتب الحديث تارة على المساند، فتذكر ما أسنده الصاحب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كمسند أحمد، وإسحاق، وأبي داود الطيالسي، وأبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن أبي عمر، والعدني، وأحمد بن منيع، وأبي يعلى الموصلي، وأبي بكر البزار البصري، وغيرهم.
وتارة على الأبواب، فمنهم من قصد مقصده الصحيح كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وأبي حاتم وغيرهم. وكذلك من خرج على الصحيحين، كالإسماعيلي والبرقاني وأبي نعيم وغيرهم. ومنهم من خرج أحاديث السنن، كأبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم. ومنهم من خرج الجامع الذي يذكر فيه الفضائل وغيرها، كالترمذي وغيره.
وهذا علم عظيم من أعظم علوم الإسلام. ولا ريب أن الرافضة أقل معرفة بهذا الباب، وليس في أهل الأهواء والبدع أجهل منهم به، فإن سائر أهل الأهواء - كالمعتزلة والخوارج - مقصرون في معرفة هذا، ولكن المعتزلة أعلم بكثير من الخوارج، والخوارج أعلم بكثير من الرافضة، والخوارج أصدق من الرافضة وأدين وأورع، بل الخوارج لا نعرف عنهم أنهم يتعمدون الكذب، بل هم من أصدق الناس.
والمعتزلة - مثل سائر الطوائف - فيهم من يكذب، وفيهم من يصدق، لكن ليس لهم من العناية بالحديث ومعرفته ما لأهل الحديث والسنة، فإن هؤلاء يتدينون به فيحتاجون إلى أن يعرفوا ما هو الصدق.
وأهل البدع سلكوا طريقا أخر ابتدعوها اعتمدوا عليها، ولا يذكرون الحديث، بل ولا القرآن في أصولهم إلا للاعتضاد لا للاعتماد.
والرافضة أقل معرفة وعناية بهذا، إذ كانوا لا ينظرون في الإسناد ولا في سائر الأدلة الشرعية والعقلية: هل توافق ذلك أو تخالفه؟ ولهذا لا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة قط، بل كل إسناد متصل لهم، فلابد أن يكون فيه من هو معروف بالكذب أو كثرة الغلط.
Página 39