أفروديت تفي بوعدها!
وتم زواج هيلينا من «مينيلاوس»، الذي صار الآن ملكا لأسبرطة، وعاش الزوجان أعواما سعيدين، وذات يوم نزل ضيفا عليهما في قصرهما أمير شاب من أمراء طروادة، ولم يكن الأمير سوى الراعي الوسيم «باريس» الذي منح أفروديت تفاحة «الجمال» الذهبية فوعدته بأن تمنحه بدورها أجمل نساء الأرض. وتنفيذا لوعدها نصحته بأن يعود إلى قصر أبيه ملك طروادة فيعرفه بنفسه ويحصل منه على السفن اللازمة كي يقوم برحلة إلى بلاد اليونان حيث تقيم هيلينا «أجمل نساء الأرض»! فقد كان من سوء المصادفة أن الفاتنة التي وعدته بها أفروديت كانت زوجة لسواه! لكن عقبة «تافهة» كهذه ما كانت تعوق إلهة عن الوفاء بوعد قطعته على نفسها! وهكذا، بتأثير تحريض ربة الحب والجمال، انتهز الشاب «باريس» فرصة غياب مضيفه «مينيلاوس» عن القصر، فاختطف زوجته «هيلينا» وفر بها إلى طروادة!
رأس تمثال «أفروديت» ربة الحب والجمال، الذي يزين متحف «الكابيتول» بمدينة روما.
وكانت خيانة وضيعة من جانب الضيف، فإن مضيفه كان قد استقبله بكل مظاهر الترحيب اللائق بالأمير الشاب، وأكرم وفادته كأعظم ما يكون الإكرام! فلما عاد من غيبته فوقف على نبأ فرار زوجته مع ضيفهما، بادر فأرسل رسله على عجل إلى جميع طالبي يد «هيلينا» السابقين، مذكرا إياهم بقسمهم القديم على نجدته في مثل هذا الظرف بالذات!
وهرع الجميع من فورهم إليه، ودعي رؤساء العشائر لإبداء رأيهم في الموقف الحربي الذي قد يتطور إليه النزاع، فوقع اختيار المجتمعين على «أجاممنون» - زوج شقيقة هيلينا، وشقيق زوجها - كي يكون قائدا لهم في عراكهم المقبل، وبفضل دهاء أحد الحاضرين - وهو «أوديسيوس» ملك أحد الأقاليم المجاورة - ضم إلى صفوفهم البطل الصنديد «أخيل» ابن الحورية «ثيتيس» (التي حضرنا زفافها في بداية القصة) وهو الذي كانت الأقدار قد تنبأت له بأنه سوف يصير أعظم من أبيه! «أخيل» ونبوءة الآلهة
ويقترن اسم «أخيل» في أدب القدماء - الإغريق والرومان - بأكثر من أسطورة، ويتوج بأكثر من هالة من هالات المجد، حتى ليعتبر من أعظم أبطال القصص الخيالية وأحبهم إلى الأذهان.
وتقول تلك الأساطير إن «الأقدار» حين حضرت زفاف أبويه، تنبأت لهما بأن ابنهما الذي سيرزقان به يحارب مملكة طروادة فيتساقط أبناؤها تحت ضربات سلاحه الفاتك البتار، كما تتساقط سنابل الحنطة تحت ضربات منجل الحصاد! وأن حصون المدينة سوف تتداعى أخيرا أمام هجماته، فيدخلها دخول الفاتحين، لكنه سيفقد حياته آخر الأمر عند أسوارها!
ورسخت هذه النبوءة المفجعة في ذهن الحورية العروس «ثيتيس»، فلما رزقت بابنها «أخيل» جعلت همها الأوحد أن تحميه بكل وسيلة من عدوان الأقدار، وتكفل له الخلود على قيد الحياة، فلما شب عن الطوق حملته إلى نهر «ستيكس» المقدس، الذي يكسب ماؤه كل جسم يبلله مناعة أبدية ضد الموت! وهناك أمسكت بالصبي من عقب - كعب - قدمه وألقت به تحت الماء، فاكتسب جسمه تلك المناعة ضد جميع قوى الفناء، ولم يبق للموت منفذ إليه إلا عن طريق عقب قدمه الذي لم يبلله ماء النهر!
امرأة تعاند الأقدار!
وحين ترعرع الغلام تولى أحد العمالقة تدريبه على القتال وصار يغذيه بنخاع أقوى الأسود المفترسة! لكن ذلك كله لم يطامن من مخاوف الأم، التي ما فتئ يقض مضجعها القلق على ابنها الحبيب من مخاطر حرب طروادة العتيدة أن تنشب يوما فتقضي على حياته! وبتأثير هذا القلق ألبسته أمه ثياب النساء وألحقته بسلك «وصيفات» البلاط الملكي! لكن تنكره هذا لم يخف على عين الملك الماكر «أوديسيوس» فتنكر بدوره في زي بائع متجول وذهب يعرض على وصيفات القصر بضاعته من الأساور والأقراط، بعد أن دس بينها سيفا وخنجرا، فلم يكد بصر الشاب المتنكر «أخيل» يقع على الأسلحة حتى بدرت منه حركة نمت عن خبرته بفنون القتال! وهكذا انكشف أمره، فأخذه أوديسيوس معه ليشترك في مقاتلة أهل طروادة بغية استرداد ملكة أسبرطة - «هيلينا» - من أسرهم، والاقتصاص لها من آسريها!
Página desconocida