137

La Ilíada

الإلياذة

Géneros

وما إن أبصر به «ألكساندر» المجيد، عندما برز وسط الأبطال حتى أصيب في قلبه، وعاد أدراجه وسط حشد زملائه، اجتنابا للموت! وكما يجفل المرء متراجعا مذعورا حين يرى ثعبانا بين أخاديد جبل، وترتعد فرائصه وأعضاؤه فيعود من حيث أتى، ويمتقع لون خديه، هكذا تراجع ألكساندر المجيد خوفا من ابن أتريوس، وعاد أدراجه إلى جموع الطرواديين الأمجاد.

ولكن «هكتور» شاهده، فزجره بعبارات الخزي قائلا: أيها الشرير «باريس» يا أجمل من تقع عليه العيون، أيها السادر في مطادرة النساء، أيها المخادع، ليتك لم تولد قط، ومت دون زواج. نعم كنت أتمنى ذلك؛ فهذا خير بكثير من أن تكون هكذا مجلبة للعار، ينظر إليك الرجال بازدراء! حقيقة، أعتقد أن الآخيين ذوي الشعر المسترسل سوف يقهقهون عاليا، وهم يظنون أن بطلنا أمير، اخترناه بسبب جمال خلقته، بينما لا توجد ذرة من القوة أو الشجاعة في قلبه! أبمثل هذه القوة سافرت عبر البحر في سفنك الماخرة، يوم أن جمعت الثقات من زملائك، حتى إذا ما بلغت قوما غرباء، عدت حاملا غادة فاتنة من بلاد نائية، هي ابنة محاربين يجيدون استخدام الرمح، لتكون لأبيك ولمدينتك ولكل الشعب مجلبة للدمار المحزن، ومسرة لأعدائك، ومشنقة لرأسك أنت نفسك؟ أحقا لن تواجه «مينيلاوس»، العزيز لدى «أريس »، على الأقل كي تعلم أي نوع من المحاربين ذاك الذي اقتنيت زوجته الحسناء؟ إن قيثارتك لن تنفعك، ولا حتى هدايا أفروديت، ولا جدائل شعرك، ولا جمالك ، عندما تفترش الثرى صريعا. حقيقة، إن الطرواديين لجبناء أي جبناء، وإلا لألبسوك منذ زمن بعيد ثوبا من الأحجار

2

بسبب ما جنيته من آثام!»

فرد عليه ألكساندر المجيد قائلا: «أي هكتور، ما أراك إلا تؤنبني بما أستحق، ولم تقل شيئا أكثر مما أستحق. إن قلبك لا تلين قناته أبدا، كالفأس التي غرست في جذع شجرة بيد رجل ماهر في تشكيل الأخشاب لصنع السفن، تزداد قوة ضربته باضطراد. هكذا أيضا حال القلب الذي في صدرك القوي. فلا تقذف في وجهي بالهدايا الجميلة التي منحتها أفروديت الذهبية. حذار، فإن هدايا الآلهة الرائعة ليست مما يلقى جانبا، وخاصة ما تهبه من تلقاء نفسها، حتى ولو لم يكن في مقدور أحد أن يحصل عليها مختارا. أما الآن، فإن كنت تصر على أن أحارب وأقاتل، فدع الطرواديين الآخرين يجلسون هم وجميع الآخيين، واجعلني في الوسط مع مينيلاوس، العزيز لدى «أريس»، لنتعارك من أجل «هيلينا» وكل ممتلكاتها. وأينا يغلب، ويبرهن على تفوقه، فإنه يستولي على المرأة والثروة جميعا، ويحملهما إلى منزله. أما أنتم، فلتقسموا على الصداقة وفروض الإخلاص بذبيحة، وهكذا تستطيعون الإقامة في بلاد طروادة العميقة التربة. ودعهم هم يعودون إلى أرجوس، مرعى الخيول، وإلى آخيا أرض الحسان الفاتنات.»

وإذ قال هذا، سر هكتور سرورا بالغا حين سمع قوله، فتقدم إلى الوسط، وأمسك رمحه من منتصفه، وأرجع به فريق الطرواديين إلى الوراء، فجلس الجميع. غير أن الآخيين ذوي الشعر المسترسل حاولوا عندئذ أن يصوبوا إليه سهامهم، ويضربوه، ويقذفوه بالأحجار، ولكن أجاممنون، ملك البشر، صاح عاليا: «كفوا يا أهل «أرجوس»، ولا تقذفوا السهام يا شباب الآخيين؛ لأنه يبدو أن لدى هكتور، ذي الخوذة البراقة، شيئا ما يريد أن يقوله.»

وإذ قال ذلك، أمسكوا عن القتال، ولزموا الصمت في الحال. ثم تكلم هكتور بين الجيشين، فقال: «اسمعوا مني أيها الطرواديون والآخيون المدرعون جيدا ، ما قاله «ألكساندر» الذي من أجله قام النزاع على قدم وساق. لقد أمر غيره من الطرواديين وجميع الآخيين، بأن يخلعوا عنهم عدتهم الحربية ويضعوها فوق الأرض الفسيحة، وسيقف هو نفسه في الوسط مع «مينيلاوس»، العزيز لدى «أريس»، ليشتبكا في عراك من أجل «هيلينا» وما تملك. وأيهما ينتصر ويثبت تفوقه، سيأخذ المرأة والثروة جميعا، ويحملهما إلى منزله. أما نحن الآخرون، فهيا نقسم على الصداقة وفروض الإخلاص بذبيحة.»

وخيم السكوت عليهم أجمعين، ومن وسطهم نهض مينيلاوس، الماهر في صيحة الحرب، وقال: «أصغوا الآن إلي أنا أيضا، فقد تملك الحزن قلبي من دونكم جميعا، وإني لأرى أنه لم يعد مفر من أن يفترق أهل أرجوس والطرواديون، بعدما رأيته من تكبدكم للمحن الكثيرة بسبب النزاع القائم بيني وبين باريس الذي بدأه. يجب أن يموت أحدنا - لقد كتب القضاء له الموت فعلا - وبعد ذلك سرعان ما سيعم السلام بينكم. فلتحضروا كبشين: كبشا أبيض للشمس، ونعجة سوداء للأرض، وسوف نحضر واحدا لزوس، وليحضر إلى هنا الملك بريام القوي، حتى يبرم العهود بنفسه، لا بواسطة أبنائه المتعجرفين المستهترين؛ فنحن لا نريد أن نرى معاهدة مقدسة لزوس تنفصم بالخيانة. إن الشباب غالبا ما يكون متسرعا، ولكن عندما يتولى شيخ أمثال هذه الأمور، فإنه يعمل حسابا للمستقبل والماضي حتى يكون قراره في صالح الطرفين.»

وإذ قال ذلك، شعر الآخيون والطرواديون بالغبطة؛ لاعتقادهم أنه قد كفاهم شر القتال المقيت، وعلى ذلك تركوا عرباتهم في الصفوف، وهبطوا منها، ثم خلعوا عنهم عددهم الحربية فوضعوها على الأرض، كلا منها بجانب الأخرى، لا تفصلها عنها سوى مسافة بسيطة، ثم أرسل هكتور رسولين إلى المدينة، يجدان في السير لإحضار الحملين واستدعاء بريام، كما أرسل أجاممنون «تالثوبيوس» إلى السفن العميقة القاع، لإحضار حمل، فلم يتردد في إطاعة أجاممنون العظيم. «هيلينا» عند سور الحصن

بيد أن «أيريس» ذهبت إلى «هيلينا» البيضاء الذراعين، كرسول، متخذة هيئة شقيقة زوجها، تلك التي اتخذها الملك «هيليكاون» ابن أنتينور، زوجة له، وكانت تدعى «لاوديكي» وتعتبر أجمل بنات «بريام»، فوجدت هيلينا في البهو تنسج نسجا أرجوانيا كبيرا ذا عرضين، وقد وشته بصور معارك كثيرة للطرواديين، مستأنسي الجياد، والآخيين ذوي الحلل البرونزية، أولئك الذين قاسوا الأهوال من أجلها على أيدي «أيريس». عندئذ اقتربت منها أيريس، السريعة القدمين، وتحدثت إليها قائلة: «تعالي هنا، يا سيدتي العزيزة، لتري روائع أعمال الطرواديين مستأنسي الخيول، والآخيين ذوي الحلل البرونزية. فمنذ زمن وجيز، كان يهدد بعضهم البعض بحرب طاحنة في السهل، كأنما يعتزمون القتال حتى الموت. أما الآن، فقد كفوا عن القتال، وهم يجلسون في هدوء، متكئين على تروسهم، ورماحهم الطويلة مغروسة من أطرافها إلى جوارهم، ولكن باريس ومينيلاوس الجبار، العزيز لدى «أريس»، يجب أن يتقاتلا من أجلك برماحهما الطويلة، ومن ينتصر منهما تكوني زوجة له!»

Página desconocida