فلست أهتم بك، ولن أكترث لغضبك، وليكن هذا وعيدي لك: ما دام الإله «أبولو» يأخذ مني ابنة خروسيس، فإني سأعيدها في سفينة من سفني ومع رجال من رجالي، بيد أنني سأحضر بنفسي إلى كوخك وآخذ «بريسيس
Briseis » الفاتنة الوجنتين، غنيمتك، حتى تعرف تماما أنني أشد منك بأسا، ويحجم غيرك فلا يعلن أنه ند لي ويشبه نفسه بي في مواجهتي!»
هكذا تكلم أجاممنون، فاستولى الحزن على ابن بيليوس - أخيل - وفي قرارة صدره الأشعث انقسم فؤاده إلى رأيين: أيستل حسامه البتار من غمده، ويقتحم الجمع ويقتل بنفسه ابن أتريوس، أم يملك زمام غضبه، ويكبح جماح نفسه؟ وبينما هو يفكر في ذلك بعقله وقلبه، ويستل سيفه العظيم من غمده، هبطت الربة «أثينا»
27
من السماء، موفدة من لدن الربة «هيرا» البيضاء الذراعين، التي كانت في قلبها تحب كلا من أخيل وأجاممنون على السواء وترعاهما بعنايتها. فاتخذت موقفها وراء ابن بيليوس وأمسكته من شعره الذهبي، وتجلت له وحده، فلم يرها أحد من الباقين. فامتلأ أخيل بالزهو، وما إن استدار حتى عرف أثينا على الفور، وكانت عيناها تتألقان بشكل مخيف. عندئذ تحدث إليها بكلمات مجنحة فقال: «لم أتيت الآن ثانية، يا ابنة زوس، يا حاملة الدرع؟ ألكي تري وقاحة أجاممنون بن أتريوس؟ دعيني أخبرك ما أعتقد أنه سيحدث فعلا: فبسبب كبريائه المتعاظمة، سيفقد حياته الآن!»
عندئذ أجابت الربة أثينا ذات العينين البراقتين: «جئت من السماء كي أهدئ من غضبك، لو أصغيت إلي، وقد أرسلتني الربة «هيرا» البيضاء الذراعين؛ لأن حبكما في قلبها سواء، وهي تهتم بأمركما. هيا، تعال، وكف عن نزاعك، ولا تدع يدك تستل السيف. فلك أن تعنفه بالألفاظ، وتواجهه بالواقع؛ لأنني هكذا سأتكلم، وهذا الشيء سيتم حقا: ستأتيك الهدايا الرائعة، فيما بعد، ثلاثة وأربعة أضعاف، من جراء هذا النزاع. فاضبط زمام نفسك إذن واستمع إلينا.»
الربة «أثينا»، ربة الحكمة كما بدت من خلال السحب لاثنين من رعاياها.
بعد ذلك تكلم أخيل، السريع القدمين، ردا على كلامها: «على المرء، أيتها الربة، أن يتأمل في كلامك مرتين مهما كان في قلبه من غضب، فهذا أفضل. وكل من يطيع الآلهة يحظى منهم بآذان صاغية عن طيب خاطر.»
تكلم وخلى يده الثقيلة من المقبض الفضي، وأعاد الحسام العظيم ثانية إلى غمده ولم يعص كلمة أثينا، التي كانت قد صعدت في الحال إلى «أوليمبوس»، إلى قصر «زوس» الذي يحمل الدرع، لتنضم إلى الآلهة الآخرين.
ولكن «أخيل» عاد يخاطب «أجاممنون» بلهجة شديدة، ولم يكف بأية حال عن غضبه فقال: أيها المثقل بالخمر، يا من له وجه الكلب وقلب الغزال، لم يسبق أن واتتك الشجاعة قط لتسلح نفسك للقتال مع قومك، أو الذهاب إلى كمين مع رؤساء الآخيين. كنت تخشى ذلك خشية الموت. وإن أردت الحق، فمن الأفضل أن تمر بجميع أرجاء معسكر الآخيين الفسيح، وتستولي على غنيمة من يتكلم ضدك. أيها الملك الملتهم حقوق قومه، أرى أنه لا يطيعك غير رجال من سقط المتاع، وإلا فما استخدمت سفاهتك الآن، للمرة الأخيرة. بيد أنني سأعلن إليك كلمتي، وسوف أقسم عليها قسما لا حنث فيه. بحق هذا الصولجان الذي لن يورق أو ينبت براعم بعد ذلك؛ لأنه انفصل عن جذعه في الغابة منذ مدة، كما أنه لن يعاود خضرته بأية حال؛ لأن النصل البرونزي قد جرده من أوراقه ولحائه، والآن يحمله أبناء الآخيين في أيديهم، أولئك الذين يصدرون الأحكام ويسهرون على الحقوق والتقاليد بأمر زوس.
Página desconocida