مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين على أمور الدنيا والدين.
وبعد...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخواتي وبناتي وأمهاتي المؤمنات: أقدم لكن هذه الرسالة القصيرة، والتي أركز فيها على جوانب هامة في حياة المرأة المسلمة مما يوفر لها السعادة في الدنيا والآخرة سائلة المولى الكريم أن ينفع بهذا العمل وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم إنه على كل شيء قدير.
فاطمة أحسن المهدي
Página 1
العلاقة بالله
قرر الإسلام بأن الفضائل والصفات الخيرة الشريفة مطلوبة من المرأة كما هي مطلوبة من الرجل على حد سواء،وإن لكل منهما الجزاء الأوفى في يوم تجزى كل نفس ما عملت،فهما متساويان في العلاقة بالله سبحانه، ومتساويان في الجزاء على الأعمال الصالحة،كما قال سبحانه:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}[آل عمران: 195].
Página 1
التكاليف الدينية
ووجه الإسلام الخطاب إلى المرأة بالأوامر والنواهي والآداب والأخلاق، كما وجهه إلى الرجل دونما تمييز أو تفريق،قال تعالى:{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}[النور:30،31].
فالمرأة في الإسلام مخاطبة بالعبادات الإسلامية واجبها ومندوبها كالرجل، فالصلاة اليومية، ومقدماتها من الوضوء أو الغسل أو التيمم والصوم والحج والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يخاطب الإسلام بها الرجل يخاطب بها المرأة: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله}[التوبة:71].
Página 1
مسئولية الأم ودورها في التربية
ليست مسئولية الأم هي طبع القبلات الحارة على وجه الطفل، أو إلقامه الثدي ليمتص اللبن حتى يكتفي، أو تنظيف ثوبه وبدنه، ليست مسئوليتها هذه فحسب، بل تتجاوز إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يلزمها أن تربيه تربية صالحة تقوم على توجيهه نحو الخير والفضيلة،وتنشئه على صلابة النفس وقوة الإرادة،وترسخ في قرارة نفسه روح الصدق والأمانة،والتعاون والتضحية،بما تنتهج أمامه من سلوك رفيع، وبما تحكي له من قصص وحكايات تصور له عز الأمانة وذل الخيانة، ومغبة الكذب وثمرة الصدق،ليكون عضوا عاملا في المجموعة الإنسانية يفيد أمته ووطنه.
فإن تركيز القيم الدينية،والخلق الرفيع في نفوس الأطفال هو الوسيلة الأساسية لتربية الجيل الصاعد،وتكوين المجتمع المسلم، ومثل هذه المسئولية لا تقوم بها إلا الأم الصالحة.
أما الأم التي تكون من أسرة منحطة وعائلة صغيرة فهي مصدر شقاء المجتمع، والعامل الأساسي لفساده، فإنها قبل كل شيء تنتقل صفاتها وشيمها إلى الولد بالوراثة،وعندما تنفتح مدارك الطفل يتطبع بشكل طبيعي بأخلاقها وطبائعها؛ لأنها هي كل شيء في حياة الطفل،وهي أكثر الأبوين ملازمة له، فهو يقلدها في سلوكها،ويتأثر في تصرفاتها إذا كانت فاسدة فسد نباتها،وإذا كانت صالحة صلح زرعها وطاب نتاجها:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
Página 1
نهضة المرأة المسلمة
لقد رفع الإسلام من مستوى المرأة، وجعل فيها من النشاط والإقدام ما هيأها لتسير نحو المثل العليا، وتكون في الطليعة مرتكزة على دينها القويم، ومعتمدة على إيمانها العظيم، من العلم والمعرفة، ولابد لنا أن نذكر ولو بإيجاز بعض النساء اللواتي ظهرن في عالم العلم والفضل والأدب في فجر الإسلام، ولا يزال ذكرهن عاطرا إلى يومنا هذا، ومنهن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
لقد صدق الرجال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في رسالته النبوية المقدسة، فسارعت المرأة إلى تصديق هذه الرسالة الشريفة، وكانت خديجة أم المؤمنين زوجة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أول من صدق النبي وآمنت به، وجاهدت باذلة كل ما تملكه في سبيل نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتركيز دعائم رسالته الشريفة، كما ورد في الحديث: ((قام الدين بسيف علي، ومال خديجة)) علاوة على تخفيفها آلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين آذته قريش،والعامل الوحيد في تسليته، والمساعد الأكبر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على نشر الدعوة الإسلامية، بحسن تدبير ودراية.
Página 1
حقوق المرأة في الإسلام
خلق الله سبحانه الإنسان من ذكر وأنثى، وجعلهما متعاونين في حياتهما لا يمكن استغناء أحدهما عن الآخر،فالمرأة هي شريكة الرجل في حياته،والعامل الأكبر في قوام عيشه.
ولقد جاء الإسلام يحمل المرأة من فرائض الدين ما يحمله للرجل، بلا فارق بينهما من صلاة وصوم وحج وزكاة، وغير ذلك من الفرائض التي فرضها الله سبحانه على عباده، إلا الجهاد في سبيل الله والأذان والإقامة والجماعة والجمعة.
وبما أن المرأة قد اتصفت بالأنوثة وما يتبع هذه الصفة من حنان وعطف زائدين،كان عليها أن تتحمل مسئوليتها ومسئولية تربية أطفالها، فلابد من أن يكون هذا المخلوق البشرى مهذبا متخلقا بالأخلاق الفاضلة.
Página 1
الزوج
من أجل بناء حياة زوجية سعيدة هناك صفات رعاها الإسلام في الزوج ليقوم الزواج على أصول ثابتة،وتتوفر في ظله حياة فاضلة، وعيش كريم، ويعطي الزوجان نتاجا طيبا، وثمرا شهيا، راعى الإسلام في الزوج العقل والدين واليسار.
قال الصادق عليه السلام: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض.
أما الخلق والكفاءة المادية فقد وضع الإسلام لهما قوانين وأنظمة يجب الأخذ بها والسير عليها لئلا يقع الزوجان في مشاكل توقعهما في نكد،وشقاء، ونفرة، وشقاق.
أما الفروق القبلية والإقليمية، أو ابن من هو؟ أو ما هي شهادته؟ أو ما هي وظيفته؟ فتلك أمور لا مكان لها في تشريع الزواج ونظام الإسلام.
عن أمير المؤمنين علي
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)).
حذر الإسلام من تزويج سيئ الخلق، أو مشوه الخلقة،والأحمق والمجنون وشارب الخمر.
Página 1
الزوجة المثالية
إن الزوجة التي تستحق أن توصف بالمثالية أو النموذجية بعبارة أخرى، هي التي تشعر بأن الزواج وسيلة لأداء رسالتها في الحياة، وهي: الأمومة والحب، وصناعة الجيل،وأن الزواج هو الطريق السليم لحفظ شرفها،وتحقيق الاستقرار والطمأنينة لها في الحياة،والتي تمنح زوجها كل حب وتقدير من أعماقها،وتزرع في نفسه الأمل دائما وأبدا، وتزين له وجه الحياة، ولا تكثر عليه من الطلبات والتمنيات، وإذا بدا منه تقصير في وجهة ما التمست له عذرا، والتي تحافظ دائما وأبدا على أناقة جسدها، وملبسها أمام زوجها،ونظافة بيتها وأولادها، وتكون دائما بشوشة الوجه، كثيرة الابتسام في وجه زوجها لتخفف عنه أعباء الحياة.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن خير نسائكم الولود الودود، النيرة العفيفة، العزيزة في أهلها،الذليلة مع زوجها،المتبرجة مع زوجها، الحصان عن غيره،التي تسمع قوله،وتطيع أمره،وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها)).
وجاء رجل إليه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني،وإذا خرجت شيعتني،وإذا رأتني مهموما قالت لي:ما يهمك؟ إن كنت تغتم لرزقك فقد تكفل به غيرك،وإن كنت تهم بأمر آخرتك فزادك الله هما،فقال صلى الله عليه وآله وسلم :((بشرها بالجنة،وقل لها:إنك عاملة من عمال الله،ولك في كل يوم أجر سبعين شهيدا)) وفي رواية:((لها نصف أجر الشهيد)).
Página 1
إلى كل زوجة
ويليق بنا أن ننقل هنا ونحن نتحدث عن الزوجة المثالية،وصية أمامة بنت الحارث التغلبية لابنتها أم إياس ابنة عوف ليلة زفت إلى بعلها، لما تشتمل عليه من الآداب الزوجية الراقية، ومما يلفت النظر أن هذه التعاليم الزوجية المهمة لم تصدر عن خريجة كلية أو جامعة،وإنما صدرت عن امرأة عربية صقل الدين مواهبها،وأذكى فطرتها،وأنضج تفكيرها،وفي هذا دلالة واضحة على ما أحدثه الدين الإسلامي في البيئة العربية من تيقظ حس،وتفتح فكر،ونضوج عقل، وعلى أن الإسلام وهو في أول أدواره التربوية يصنع مثل هذه الزوجة المثالية:
وإليك الوصية:
(أي بنية لو استغنت امرأة عن زوج بفضل أبيها لكنت أغنى الناس عن ذلك، ولكن للرجال خلقنا كما خلقوا لنا.
بنية:إنك فارقت الحي الذي منه خرجت، والعش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه،وقرين لم تألفيه،أصبح بملكه عليك مليكا، فكوني له أمة يكون لك عبدا،واحفظي خلالا عشرا يكن لك ذكرا وذخرا:
أما الأولى:فالصحبة بالقناعة،فإن في القناعة راحة القلب.
والثانية:حسن المعاشرة،فإن فيها مرضاة الرب.
والثالثة:المعاهدة لموضع عينه،فلا تقع عيناه منك على قبيح.
والرابعة:التفقد لموضع أنفه،فلا يشم أنفه منك إلا طيب الريح.
والخامسة:التعاهد لوقت طعامه،فإن حرارة الجوع ملهبة.
والسادسة:التفقد لحين منامه،فإن تنغيص نومه مكر به.
والسابعة:الاحتفاظ ببيته وماله،فإن حفظ المال أصل التقدير.
والثامنة:الرعاية لحشمه وعياله، فإن رعاية الحشم والعيال من حسن التدبير.
والتاسعة: فلا تفشي له سرا، فإنك إن أفشيت له سرا لم يأمن.
والعاشرة: فلا تعصي له أمرا، فإنك إن عصيت له أمرا فقد أوغرت صدره.
واتقي مع ذلك كله الفرح إذا كان ترحا، والاكتئاب إذا كان فرحا، فإن الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.
Página 1
وأشد ما تكونين له إعظاما أشد ما يكون لك إكراما،وأشد ما تكونين له موافقة أطول ما يكون لك مرافقة.
واعلمي يا بنية: أنك لا تقدرين على ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاك،وتقدمي هواه على هواك فيما أحببت أو كرهت يصنع لك الخير، واستودعك الله)).
وقرر الإسلام أن أعظم نعمة استفادها المسلم بعد نعمة العقيدة هي الزوجة الصالحة القائمة بحقوق زوجها وحراسة العش بأمانة ونصح.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها،وتطيعه إذا أمرها،وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله)).
وجعل الإسلام للرجل القوامة على المرأة {الرجال قوامون على النساء}[النساء:34] فهو المسئول الوحيد عن إدارة الأسرة وقيادة البيت، وإسناد القوامة إليه دون المرأة،فإن القوامة التي أسندها الإسلام إلى الرجل قائمة على حكمة دقيقة اقتضتها عدالة الخالق الحكيم، الذي أنزل الإسلام لتنظيم حياة الإنسانية، وحل مشكلاتها، وليس الهدف احتقار المرأة أو استغلالها، وإنما هو تنظيم الأسرة واستقرارها، والابتعاد بها عن الفوضى والنزاع؛إذ أن المرأة لا تملك من الرصيد الفكري والعصبي ما يجعلها قادرة على تحمل تبعات القيادة ومستلزماتها،لا سيما عندما تنشغل بالأولاد وتكاليف تربيتهم التي ترهق بدنها وأعصابها.
وهناك حقوق شرعها الإسلام لكل من الزوجين على الآخر، فللزوجة على الزوج حقوق،كما له عليها حقوق:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}[البقرة: 228].
إن الإسلام تكفل للزوجين إذا هما راعيا هذه الحقوق، والتزم كل منهما بما يجب عليه تجاه الآخر، فقد أوجب الإسلام على الرجل نفقة المرأة، وجعلها مقدمة على الأولاد والأجداد، بل قدمها على نفقة الأبوين.
Página 2
نموذج من التأريخ الإسلامي
السيدة زينب بنت علي(ع)
عندما نذكر نهضة المرأة المسلمة في ميدان العلم والفضيلة نجد أن زينب بنت علي عليهما السلام في مقدمة نساء العالم، فإن تراثها المجيد المتلألئ الذي سطع نوره في مشرق الدنيا ومغربها لا يزيده توالي الأيام إلا هيبة وجلالا، وعظمة وإكبارا؛ لأن زينب نشأت في حجر النبوة، وتغذت من ثدي الإسلام، وتأدبت على يد والديها العظيمين علي وفاطمة عليهما السلام.
نشأت زينب محوطة برعاية خاصة من جدها العظيم، وعطف سابغ من ذويها الكرام، فنراها على البعد صبية حلوة في حضانة الزهراء، تتلقى عنها الدروس الأولى في الحياة، فإذا جاوزت دور الحضانة ألفت أمامها أعظم من أنجبتهم الجزيرة في زمانها من المعلمين،جدها صاحب الرسالة،وأباها الفارس أمير البيان،والعلماء والفقهاء من الصحابة الكرام.
لقد كانت+ تشبه أباها علما وتقى، وفصاحة وبلاغة،ومواقفها العظيمة في كربلاء والكوفة والشام أكبر شاهد على ذلك، وكان لها مجلس علمي حافل، تقصده جماعة من النساء اللاتي يردن التفقه في الدين.
وهكذا اجتمع لها ما لم يجتمع لسواها من نساء عصرها، فكانت عقيلة بني هاشم يروي عنها حبر الأمة ابن عباس،فيقول:حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي،وكما وصفها الشاعر:
حاكيت شمس الضحى والبدر مكتملا
أبا وأما وكان الفضل للحاكي
أبوك حيدرة والأم فاطمة
والجد أحمد والسبطان صنواك
ولقد كان ذكر ذلك من باب المثل والشاهد على إباحة العلم للمرأة والتفقه في الدين، وغير ذلك من أبواب الفضل والأدب.
Página 1
ولكننا إذا تطرقنا للبحث عن المرأة المسلمة نرى من المسلمات الكثيرات ممن ظهرن في ميادين العلم والفضل،وواسين الرجال في التحصيل، وكان منهن الشهيرات اللاتي نبغن في أفق المعالي ضمن نطاق الشريعة الإسلامية، وما من شك في أن المرأة هي عضو عامل في تقدم الإنسان الأخلاقي، إذا هي أحسنت السير نحو الطريق المستقيم، ولا ريب أن الحياة الاجتماعية في عصرنا الحاضر تتطلب أن يتعاون كل من الرجل والمرأة في تركيز دعائم الأخلاق الكريمة، وأن يتجنب كل منهما مواضع التهم.
وفي الخطبة الأخيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التاسع من ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة: ((أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق ألا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم،ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن، وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان() ضعيفات لا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا)).
Página 2
خطبة جامعة
الحمد لله فاطر الخلق،وفالق الإصباح،ومنشر الموتى، وباعث من في القبور،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين،وبعد:
عباد الله:إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره الإيمان بالله وبرسله،وما جاءت به من عند الله،والجهاد في سبيله،فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص، فإنها الفطرة،وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإنهما فريضة،وصوم شهر رمضان فإنه جنة، وحج البيت والعمرة،فإنهما ينفيان الفقر ويكفران الذنب ويوجبان الجنة،وصلة الرحم فإنها ثروة في المال ومنسأة في الأجل،وتكثير العدد،والصدقة في السر،فإنها تكفر الخطايا وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى،والصدقة في العلانية فإنها تدفع ميتة السوء،وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع السوء.
فأفيضوا في ذكر الله جل ذكره، فإنه أحسن الذكر، وهو أمان من النفاق، وبراءة من النار، وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله عز وجل، وله دوي تحت العرش.
وارغبوا فيما وعد المتقون، فإن وعد الله أصدق الوعد، وكلما وعد فهو آت، فاقتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أفضل الهدي، واستنوا بسنته فإنها أشرف السنن.
وتعلموا كتاب الله تبارك وتعالى، فإنه أحسن الحديث، وأبلغ الموعظة،وتفقهوا فيه،فإنه أحسن القصص {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}[الأعراف:204] وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم منه {لعلكم تفلحون}[آل عمران:130،200].
واعلموا عباد الله: أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، وهو عند الله ألوم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما حائر بائر مضل مفتون مبتور.
Página 1
عباد الله: إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه، وأغشهم لنفسه أعصاهم لربه.
عباد الله: إن من يطع الله يأمن ويستبشر، ومن يعصه يخيب ويندم ولا يسلم.
عباد الله:سلوا الله اليقين فإن اليقين رأس الدين، وارغبوا إليه في العافية،فإن أعظم النعمة العافية، فاغتنموها للدنيا والآخرة،واطلبوا منه التوفيق.
واعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين،وأحسن اليقين التقى،وأفضل أمور الحق عزائمها،وشرها محدثاتها، وكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة،وبالبدع هدم السنن،المغبون من غبن دينه،والمغبوط من سلم له دينه،وحسن يقينه،والسعيد من اتعظ بغيره،والشقي من انخدع لهواه.
عباد الله:اعلموا أن يسير الرياء شرك، وأن إخلاص العمل اليقين، والهوى يقود إلى النار،ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن،ويحضر الشيطان،والنسيء زيادة في الكفر، وأعمال العصاة تدعو إلى سخط الرحمن، وسخط الرحمن يدعو إلى النار، ومحادثة النساء تدعو إلى البلاء وتزيغ القلوب، والرمق لهن يخطف نور أبصار القلوب، ولمح العيون مصائب الشيطان،ومجالسة السلطان يهيج النيران.
Página 2
عباد الله: اصدقوا فإن الله مع الصادقين،وجانبوا الكذب فإنه مجانب للإيمان،وإن الصادق على شرف منجاة وكرامة،والكاذب على شفا مهواة وهلكة، وقولوا الحق تعرفوا به،واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها،وصلوا أرحام من قطعكم، وعودوا بالفضل على من حرمكم، وإذا عاقدتم فأوفوا،وإذا حكمتم فاعدلوا، وإذا ظلمتم فاصبروا،وإذا أسيء إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبون أن يعفى عنكم،ولا تفاخروا بالآباء:{ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}[الحجرات:11] ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}[الحجرات: 12] ولا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب،ولا تباغضوا فإنها الحالقة،وافشوا السلام في العالم،وردوا التحية على أهلها بأحسن منها، وارحموا الأرملة واليتيم، وأغيثوا الضعيف والمظلوم، وأدوا الفروض،وجاهدوا أنفسكم في الله حق جهاده، فإنه شديد العقاب،وجاهدوا في سبيل الله،وأقروا الضيف،وأحسنوا الوضوء،وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها،فإنها من الله جل وعز: {فمن تطوع خيرا فهو خير له}[البقرة: 184] {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}[المائدة: 2]{اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}[آل عمران:102].
واعلموا عباد الله:أن الأمل يذهب العقل،ويكذب الوعد،ويحث على الغفلة،ويورث الحسرة،فأكذبوا الأمل فإنه غرور وصاحبه مأزور.
واعملوا في الرغبة والرهبة، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا،واجمعوا معها رغبة، فإن الله قد تأذن للمسلمين بالحسنى ولمن شكر بالزيادة، فإني لم أر مثل الجنة نام طالبها،ولا كالنار نام هاربها.
Página 3
ألا إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان:طول الأمل،واتباع الهوى.
ألا وإن الدنيا قد أدبرت،وآذنت بانقلاع،ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار، ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه، فمن أخلص لله عمله في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله، ولم يضره أجله، ومن لم يعمل في أيام مهله ضره أجله ولم ينفعه عمله.
عباد الله: افزعوا إلى قوام دينكم بإقام الصلاة لوقتها،وإيتاء الزكاة في حينها،والتضرع والخشوع، وصلة الرحم،وخوف المعاد،وإعطاء السائل، وإكرام الضعفاء، وتعلم القرآن والعمل به، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد.
وأدوا الأمانة إذا ائتمنتم،وارغبوا في ثواب الله، وارهبوا عذابه،وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم،وتزودوا من الدنيا ما تنجو به أنفسكم، واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدم الخير،نسأل الله الفوز بالجنة والنجاة من النار، والتوفيق لما يحب ويرضى.
Página 4