وإنما جمع بين إطعام الطعام ولين الكلام ليكمل بذلك الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، فلا يتم الإحسان بإطعام الطعام إلا بلين الكلام وإفشاء السلام، فإن أساء بالقول بطل الإحسان بالفعل من الإطعام وغيره كما قال تعالى: (يآ أيُّها الذين آمنوا لا تُبطِلوا صدقاتِكم بالمنِّ والأذى)، وربما كان معاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من الإحسان بإعطاء المال كما قال لقمان لابنه: يا بنيّ! لتكن كلمتك طيبة، ووجهك منبسطًا، تكن أحب إلى الناس ممن يُعطيهم الذهب والفضة. وقد كان النبي (يلين القول لمن يشهد له بالشر فينتفي بذلك شرّه، وكان (لا يواجه أحدًا بما يكره في وجهه ولم يكن (فاحشًا ولا متفحشًا.
وروي عن ابن عمر أنه كان ينشد:
بنيَّ إنّ البرَّ شيءٌ هيِّنٌ ...:وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّنٌ
ولبعضهم:
خُذ العفو وأمر بعرف كما ... أُمِرتَ وأعرضْ عن الجاهلينْ
ولِنْ في الكلام لكلِّ الأنامِ ... فمُستحسَنُ من ذوي الجاهِ لينْ
وقد وصف الله ﷿ في كتابه أهل الجنة بمعاملة الخلق بالإحسان بالمال واحتمال الأذى، فقال تعالى: (وسارعوآ إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجَنَّةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ أُعِدَّتْ للمتقين " الذين يُنفقون في السرَّآء والضرَّآء والكاظمين الغيظَ والعافين عن الناسِ والله يُحِبُّ المُحسنين) فالإنفاق في السراء والضراء يقتضي غاية الإحسان بالمال من الكثرة والقلة، وكظم الغيظ والعفو عن الناس يقتضي عدم المقابلة على السيئة من قول وفعل، وذلك يتضمن إلانة القول، واجتناب الفحش والإغلاظ في المقال ولو كان مباحًا، وهذا نهاية الإحسان، فلهذا قال تعالى: (والله يحبُّ المحسنين) .
1 / 83