ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد.
وهذا الجنس أعني ما يؤلم النفس ويخالف هواها فيه كفارة للذنوب وإن كان لا صنع فيه للعبد كالمرض ونحوه، فكيف بما كان حاصلًا عن فعل العبد واختياره إذا قصد به التقرب إلى الله ﷿؟! فإن هذا من نوع الجهاد في سبيل الله الذي يقتضي تكفير الذنوب كلها.
ولهذا المعنى كان المشي إلى المساجد كفارة للذنوب أيضًا، وهو نوع من الجهاد في سبيل الله أيضًا، كما خرجه الطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي (: " الغدوّ والرواح إلى المساجد من الجهاد في سبيل الله ﷿ ".
كان زياد مولى ابن عباس أحد العباد الصالحين، وكان يلازم مسجد المدينة، فسمعوه يومًا يعاتب نفسه ويقول لها: " أين تريدين أن تذهبي؟! إلى أحسن من هذا المسجد!! تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان! ".
لما كانت المساجد في الأرض بيوت الله أضافها الله إلى نفسه تشريفًا لها، وتعلقت قلوب المحبين لله ﷿ بها، لنسبتها إلى محبوبهم، وانقطعت إلى ملازمتها لإظهار ذكره فيها (في بُيُوتٍ أذِنَ الله أنْ تُرفَع ويُذْكَرَ فيها اسمُهُ يُسبِّحُ لهُ فيها بالغُدُوِّ والأَصَالِ " رجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تجارةٌ ولا
1 / 71