أُسَاكِنُك بِأَرْضٍ فَخَرَجَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَرَهُ يَسَعُهُ مُسَاكَنَتُهُ إذْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ خَبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْحُجَّةُ تَقُومُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِخَبَرِهِ مَا كَانَ رَأَى أَنَّ مُسَاكَنَتَهُ عَلَيْهِ ضَيِّقَةٌ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ أَخْبَرَ عَنْهُ إلَّا قَبِلَ خَبَرَ وَاحِدٍ وَأَفْتَى بِهِ وَانْتَهَى إلَيْهِ فَابْنُ الْمُسَيِّبِ يَقْبَلُ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ وَأَبِي سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَيَجْعَلُهُ سُنَّةً.
وَعُرْوَةُ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي عَائِشَةَ ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَيُثْبِتُ كُلَّ ذَلِكَ سُنَّةً وَصَنَعَ ذَلِكَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَجَمِيعُ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ بِمَكَّةَ فَقَبِلُوا الْخَبَرَ عَنْ جَابِرٍ وَحْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﵇ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ وَثَبَتُوهُ سُنَّةً وَصَنَعَ ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ فَقَبِلَ خَبَرَ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ عَنْ النَّبِيِّ وَثَبَتَهُ سُنَّةً وَكَذَلِكَ قِبَلَ خَبَرَ غَيْرِهِ.
وَصَنَعَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَقَبِلَ خَبَرَ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ وَثَبَتَهُ سُنَّةً وَكَذَلِكَ خَبَرَ غَيْرِهِ وَصَنَعَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ فِيمَنْ لَقِيَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَّا وَقَدْ رَوَى هَذَا عَنْهُ فِيمَا لَوْ ذَكَرْتُ بَعْضَهُ لَطَالَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ وَبَعْدَ الْجَمْرَةِ قَالَ سَالِمٌ «فَقَالَتْ عَائِشَةُ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِيَدَيَّ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ أَحَقُّ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَتَرَكَ سَالِمٌ قَوْلَ جَدِّهِ عُمَرَ فِي إمَامَتِهِ وَقَبِلَ خَبَرَ عَائِشَةَ وَحْدَهَا وَأَعْلَمَ مَنْ حَدَّثَهُ أَنَّ خَبَرَهَا وَحْدَهَا سُنَّةٌ وَأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ أَحَقُّ وَذَلِكَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ.
وَصَنَعَ ذَلِكَ الَّذِينَ بَعْدَ التَّابِعِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِثْلُ ابْنِ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِمْ وَاَلَّذِينَ لَقِينَاهُمْ كُلُّهُمْ يُثْبِتُ خَبَرَ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَيَجْعَلُهُ سُنَّةً حَمِدَ مَنْ تَبِعَهَا وَعَابَ مَنْ خَالَفَهَا فَحَكَيْتُ عَامَّةَ مَعَانِي مَا كَتَبْتُ فِي صَدْرِ كِتَابِي هَذَا الْعَدَدَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَمَا خَالَفَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَاحِدًا وَقَالُوا هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ، وَمَذْهَبُنَا فَمَنْ فَارَقَ هَذَا الْمَذْهَبَ كَانَ عِنْدَنَا مُفَارِقًا سَبِيلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ وَقَالُوا مَعًا لَا نَرَى إلَّا إجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبُلْدَانِ عَلَى تَجْهِيلِ مَنْ خَالَفَ هَذَا السَّبِيلَ وَجَاوَزُوا أَوْ أَكْثَرُهُمْ فِيمَنْ يُخَالِفُ هَذَا السَّبِيلَ إلَى مَا لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَحْكِيَهُ وَقُلْتُ لِعَدَدٍ مِمَّنْ وَصَفْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ الَّذِينَ خَالَفُوا أَصْلَ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِكُمْ مَنْ قَالَ إنَّ خِلَافَنَا لِمَا زَعَمْتُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ يَأْمُرُ بِأَنَّ لَنَا فِيهِ حُجَّةً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ وَالْأَحَادِيثَ بِكَلَامٍ عَرَبِيٍّ فَأَتَأَوَّلُ كُلًّا عَلَى مَا يَحْتَمِلُ اللِّسَانُ وَلَا أَخْرُجُ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ، وَإِذَا تَأَوَّلْته عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللِّسَانُ فَلَسْتُ أُخَلِّفُهُ فَقُلْت الْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ كَمَا وَصَفْت وَالْأَحْكَامُ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِيلَ مِنْهَا ظَاهِرًا إلَى بَاطِنٍ وَلَا عَامًّا إلَى خَاصٍّ إلَّا بِدَلَالَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ أَوْ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ أَوْ إجْمَاعٌ مِنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يَجْهَلُونَ كُلُّهُمْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَهَكَذَا السُّنَّةُ، وَلَوْ جَازَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُحَالَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إلَى مَعْنًى بَاطِنٍ يَحْتَمِلُهُ كَانَ أَكْثَرُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ عَدَدًا مِنْ الْمَعَانِي وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ذَهَبَ إلَى مَعْنًى مِنْهَا حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ ذَهَبَ إلَى مَعْنَى غَيْرِهِ وَلَكِنَّ الْحَقَّ فِيهَا وَاحِدٌ لِأَنَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا إلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا عَلَى خَاصٍّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ إذَا كَانَتْ إذَا صُرِفَتْ إلَيْهِ عَنْ ظَاهِرِهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلدُّخُولِ فِي مَعْنَاهُ.
(قَالَ): وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَبَلَغَنِي عَنْ عَدَدٍ مِنْ
8 / 592