وَالسَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةِ مُطِيعِينَ لِلَّهِ فِيمَنْ قَاتَلُوا وَمَنْ امْتَنَعَ مِمَّنْ دَعَوْهُ مَحْجُوجًا، وَقَدْ كَانَتْ سَرَايَاهُ تَكُونُ عَشَرَةَ نَفَرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ جَاءَهُ مُعَاذٌ وَأُمَرَاءُ سَرَايَاهُ مَحْجُوجًا بِخَبَرِهِمْ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنْ زَعَمَ أَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ فَقَدْ أَعْظَمَ الْقَوْلَ.
وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَنْكَرَ خَبَرَ الْعَامَّةِ عَمَّنْ وَصَفْت وَصَارَ إلَى طَرْحِ خَبَرِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَمَا يَقُولُ فِي امْرِئٍ بِبَادِيَةٍ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ تَنَحَّى إلَى بَادِيَتِهِ فَجَاءَ أَخُوهُ وَأَبُوهُ وَهُمَا صَادِقَانِ عِنْدَهُ فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَرَّمَ شَيْئًا أَوْ أَحَلَّهُ فَحَرَّمَهُ أَوْ أَحَلَّهُ أَيَكُونُ مُطِيعًا لِلَّهِ بِقَبُولِ خَبَرِهِمَا؟
فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَقَدْ ثَبَتَ خَبَرُ الْوَاحِدِ.
وَإِنْ قَالَ: لَا خَرَجَ مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا فَإِنِّي لَمْ أَحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ لَقِيته وَلَمْ أَعْلَمْهُ حُكِيَ لِي عَمَّنْ لَمْ أَلْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عُمَّالِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إلَّا بِمَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ لِمَنْ يُبْعَثُ إلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعَثَ إلَيْهِ النَّبِيُّ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ وَصَلَ إلَيْهِ عَامِلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرُسُلُهُ مِمَّنْ سَمَّيْنَا أَوْ لَمْ نُسَمِّ مِنْ عُمَّالِهِ وَرُسُلِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ شَيْئًا أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَرُدَّ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَعْصِيَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ لِرَسُولِ اللَّهِ فِيهِ سُنَّةٌ تُخَالِفُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبْعَثُ إلَّا بِمَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَكُلُّ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ وَاحِدٌ ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ النَّاسَ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ اخْتَلَفُوا أَنَّ خَلِيفَتَهُمْ وَوَالِي الْمِصْرِ لَهُمْ وَقَاضِي الْمِصْرِ وَاحِدٌ وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَقْضِي فَيَقُولُ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ، وَفُلَانٌ وَهُمَا عَدْلَانِ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ أَتَى فَاحِشَةً مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ شَاهِدَانِ إلَّا جَازَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا وَصَفَهُ هَؤُلَاءِ وَلَا حَاكِمَ يُعْرَفُ بِعَدْلٍ يَكْتُبُ بِأَنَّهُ قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ وَبِالدَّارِ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَلَا لِأَحَدٍ بِأَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ وَوَارِثُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ إلَّا أَنْفَذَهُ الْحَاكِمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَكُلُّ حَاكِمٍ جَاءَ بَعْدَهُ وَلَا يَكْتُبُ بِهِ إلَى حَاكِمٍ بِبَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِأَحَدٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْفَذَهُ لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ أَنْفَذَهُ لَهُ عِلْمٌ إلَّا بِقَوْلِ الْحَاكِمِ الَّذِي قَضَى بِهِ وَلَا عِنْدَ الْحَاكِمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنَّ أَحَدًا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ إلَّا بِخَبَرِ ذَلِكَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي وَاحِدٌ فَقَدْ أَجَازُوا خَبَرَهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ النَّاسِ.
فَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ وَالْوَالِي الْعَدْلُ وَفِيمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يُكَلَّفْهُ الْعِبَادُ كُلُّهُمْ تَقُومُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حُكِيَ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي لُزُومِهِ رَسُولَ اللَّهِ حَاضِرًا وَمُسَافِرًا وَصُحْبَتِهِ لَهُ وَمَكَانِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَمْ يُزَايِلْ الْمُهَاجِرِينَ بِمَكَّةَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يُزَايِلْهُ عَامَّةٌ مِنْهُمْ فِي سَفَرٍ لَهُ وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِشَارَةِ لَهُمْ وَأَنَّهُمْ يَبْدَءُونَهُ بِمَا عَلِمُوا فَيَقْبَلُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بِهِ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ يَنْفُذُ عَلَى النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ يَحْكُمُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَنَّ فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى عَشْرًا عَشْرًا وَفِي الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرَ تِسْعًا وَفِي الْخِنْصَرِ سِتًّا فَمَضَى عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ حَكَى عَنْهُ فِي زَمَانِهِ وَالنَّاسُ عَلَيْهِ حَتَّى وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِيهِ «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَصَارَ النَّاسُ إلَيْهِ وَتَرَكُوا مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ مِمَّا وَصَفْت وَسَوَّوْا بَيْنَ الْخِنْصَرِ الَّتِي قَضَى فِيهَا عُمَرُ بِسِتٍّ وَالْإِبْهَامِ الَّتِي قَضَى فِيهَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ عَلِمَهُ عُمَرُ كَمَا عَلِمُوهُ لَقَبِلَهُ وَتَرَكَ مَا حَكَمَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا عَلِمَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرَ مَا كَانَ هُوَ يَقُولُ فَتَرَكَ قَوْلَهُ بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا أَحْسِبُهُ قَالَ بِمَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ وَقَبِلَ ذَلِكَ مَنْ قَبِلَهُ مِنْ الْمُقْضَى لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهُ وَإِيَّاهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي الْيَدِ بِخَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ» وَكَانَتْ الْيَدُ خَمْسَةَ أَطْرَافٍ فَاجْتَهَدَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ مَنَافِعِهَا وَجَمَالِهَا فَفَضَّلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ
8 / 590