عَلَى عَدَدِ الصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا وَفِيهَا وَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْعَامَّةِ وَالْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا يُقْصِرْ فَأَبَانَ مِنْهَا الْمَعَانِيَ الَّتِي وَصَفْت وَأَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْحَيْضِ، وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ الْآيَةُ.
وَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ الْوُضُوءَ فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَائِمِينَ إلَى الصَّلَاةِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لِأَنَّهُ صَلَّى صَلَاتَيْنِ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ قَامَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ وَذَهَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ إلَى أَنَّهَا عَلَى الْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ، وَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَشْيَاءَ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَذَكَرَ اللَّهُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ، وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - لِنَبِيِّهِ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ وَقَالَ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ فَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ الْآيَةِ بِالزَّكَاةِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ وَأَنَّ مِنْهَا مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبْلُغَ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا أَوْ عَدَدًا فَإِذَا بَلَغَهُ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا يُؤْخَذُ بِعَدَدٍ وَشَيْئًا يُؤْخَذُ بِكَيْلٍ وَشَيْئًا يُؤْخَذُ بِوَزْنٍ وَأَنَّ مِنْهَا مَا زَكَاتُهُ خُمُسٌ، وَعُشْرٌ وَرُبْعُ عُشْرٍ وَشَيْءٌ بِعَدَدٍ، وَقَالَ اللَّهُ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ الْآيَةُ فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَمَا يَدْخُلُ بِهِ فِيهِ وَمَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْهُ وَمَا يُعْمَلُ فِيهِ بَيْنَ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ.
وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ وَقَالَ ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ وَكَانَ مَخْرَجُ هَذَا عَامًّا فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَرَادَ بِهَذَا بَعْضَ السَّارِقِينَ يَقُولُ «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَرَجْمُ الْحُرَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى بَعْضِ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ وَالْجَلْدَ عَلَى بَعْضِ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ يَكُونُ سَارِقًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ وَسَارِقًا لَا تَبْلُغُ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ فَلَا يُقْطَعُ وَيَكُونُ زَانِيًا ثَيِّبًا فَلَا يُجْلَدُ مِائَةً فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ أَنْ لَا يَشُكَّ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ إذَا قَامَتْ هَذَا الْمَقَامَ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فِي أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمَ فَرْضَهُ بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ مَا فَرَضَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ مَا أَرَادَ بِهِ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ كَانَتْ كَذَلِكَ سُنَّتُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَخْتَلِفُ وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: تُعْرَضُ السُّنَّةُ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَهُ وَإِلَّا اسْتَعْمَلْنَا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَتَرَكْنَا الْحَدِيثَ جَهِلَ لِمَا وَصَفْتُ فَأَبَانَ اللَّهُ لَنَا أَنَّ سُنَنَ رَسُولِهِ فَرْضٌ عَلَيْنَا بِأَنْ نَنْتَهِيَ إلَيْهَا لَا أَنَّ لَنَا مَعَهَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا إلَّا التَّسْلِيمَ لَهَا وَاتِّبَاعَهَا وَلَا أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى قِيَاسٍ وَلَا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهَا وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهَا مِنْ قَوْلِ الْآدَمِيِّينَ تَبَعٌ لَهَا قَالَ فَذَكَرْت مَا قُلْت مِنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْآثَارِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَكُلُّهُمْ قَالَ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ جَمِيعِ مَنْ رَضِينَا مِمَّنْ لَقِينَا وَحَكَى لَنَا عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقُلْتُ لِأَلْحَنَ مَنْ خَبَرْتُ مِنْهُمْ عِنْدِي بِحُجَّةٍ وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا فِيمَا عَلِمْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَنَا فِي أَمْرٍ فَهَلْ يَجُوزُ خِلَافُهُ؟
قَالَ: لَا، قُلْت: وَحُجَّتُنَا حُجَّتُك عَلَى مَنْ رَدَّ الْأَحَادِيثَ وَاسْتَعْمَلَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ فَقَطَعَ السَّارِقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ يَلْزَمُهُ وَأَبْطَلَ الرَّجْمَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ وَعَلَى مَنْ اسْتَعْمَلَ بَعْضَ الْحَدِيثِ مَعَ هَؤُلَاءِ وَقَالَ: لَا يُمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَصَدَ الْقَدَمَيْنِ بِغُسْلٍ أَوْ مَسْحٍ وَعَلَى آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ أَحَلُّوا كُلَّ ذِي رُوحٍ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ فِي الْقُرْآنِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾.
وَقَالُوا قَالَ بِمَا عَقَلْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَحَرَّمْنَا كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ بِخَبَرٍ مِنْ ثِقَةٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: نَعَمْ هَذِهِ حُجَّتُنَا، وَكَفَى بِهَا حُجَّةً وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا فِي أَحَدٍ رَدَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ بِلَا حَدِيثٍ مِثْلِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْعَالِمِ بِرَسُولِ اللَّهِ الشَّيْءَ مِنْ سُنَّتِهِ يَعْلَمُهُ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ أَخَذُوا بِبَعْضِ الْحَدِيثِ فَقَدْ سَلَكُوا فِي تَرْكِ تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَتَرْكِ الْمَسْحِ عَلَى
8 / 596