ذرأنا في تقدير فعلنا غير مهموز ولو أريد ذلك المعنى لكان: (ولقد أذرينا لجهنم) وسمعوا بقوله: (ذرته الريح) وبقول الله: ﴿فأصبح هشيمًا تذروه الرياح﴾ أي تنسفه وتلقيه فتوهموه منه ولو أريد ذلك لكان: (ولقد ذرونا لجهنم) وليس يجوز أن يكون (ذرأنا) في هذا الموضع إلا خلقنا: ﴿ذرأكم في الأرض﴾ وقال: ﴿يذرؤكم فيه﴾ أي يخلقكم في الرحم ومنه قيل ذرية الرجل لولده وإنما هو خلق الله.
وقالوا في قوله: ﴿إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء﴾ . أراد إن هو إلا اختيارك تضل به من تشاء يعني الفاسقين وتهدي من تشاء يعني المؤمنين واحتجوا بقوله: ﴿وما يضل به إلا الفاسقين﴾ والفاسقون ههنا الكافرون لأنه قال في صدر الآية: ﴿وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلًا﴾ وكيف يضل الضال ويهدي المهتدي فإن قالوا يريد الكافر ضلالة والمؤمن هداية أكذبهم في هذا الموضوع معنى الآية لأن فتنة القوم بالعجل أنه كان فضة وحليًا فتحول جسدًا له خوار فارتدوا عن الإسلام وعبدوه ولم يكن مع موسى بني إسرائيل كافر ولو كانوا كفارًا ما غضب ولا ألقى الألواح، فإنما وقع الضلال ههنا بمسلمين.
وأما قوله ﷿: ﴿وما يضل به إلا الفاسقين﴾ فإنه نزل في قوم من اليهود وسمعوا قوله ﷿: ﴿مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت﴾ وقوله: ﴿إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه﴾ فقالوا ما هذه الأمثال التي لا تليق بالله فأنزل الله ﷿: ﴿إن الله لا يستحي أن يضرب مثلًا ما بعوضة فما فوقها﴾ من الذباب والعنكبوت فقالوا ما أراد بمثل ينكره فيضل به كثيرًا من الناس. فقال الله تعالى: ﴿فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا
1 / 28