الثاني: يقول المالكي: البسملة ليست آية من الفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل: «قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فإذا قال العبد (الحمد لله) . يقول الله تعالى حمدنى عبدى» (¬2) . الحديث، ولفظ الصلاة منقول من الدعاء إلى العبادة المخصوصة، والعبادة المخصوصة ليست مقسومة بركوعها وسجودها لعدم ذكرهما في الحديث، فيكون المقسوم ما عدا ذلك، وهو القراءة الواجبة، ولم يذكر البسملة في القراءة فدل ذلك على عدم كونها آية من الفاتحة.
فيقول الشافعي: لا نسلم أنها منقولة، وهذا مذهب القاضي رحمه الله، بل هي باقية على الدعاء، وعبر بالدعاء ها هنا عما وقعت فيه القسمة على وجه التسوية، ولا يلزم من التجوز به إلى ذلك التجوز به إلى جملة الفاتحة أو القراءة؛ لأن الأصل عدم المجاز، والحمل على ما هو أقرب إلى [12/ب] الحقيقة، فجاز أن يكون ثم من الفاتحة أو القراءة ما لم يتناوله الحديث، فلا حجة فيه حينئذ، والحمل على المجاز أولى من النقل لما تقرر في علم الأصول.
فيقول المستدل: هذا الترجيح معارض بالأحاديث الدالة على أن البسملة ليست من الفاتحة، فيبقى ما ذكرناه من الدليل سالما عن المعارض.
الثالث: يقول المالكي: يجزئ رمضان كله بنية واحدة من أوله لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» (¬1) .
وجه التمسك به أن الصيام منقول عن أصل الإمساك إلى الإمساك المخصوص الشرعي، والمعرف بالألف واللام يفيد العموم واستغراق الصوم إلى الأبد، ورمضان من جملة ذلك، فيكون مفهوم ذلك أن من يبيت النية كان له الصوم، وهذا قد بيت.
فيقول الشافعي: لا نسلم أنه منقول، بل مجاز في إمساك جزء من الليل قبل الفجر، ويكون من مجاز التعبير بالأعم عن الأخص، فإن الشرع لم يصرح بتبييت النية، وإنما صرح بتبييت الصوم، وما ذكرناه محمل صالح له، والمجاز أولى من النقل، لما تقرر في علم الأصول.
فيقول المالكي: ما ذكرناه أكثر فائدة، فوجب الحمل عليه.
Página 41