طرق أن النبي (ص) صلى في السفر دائما ركعتين فكيف جاز من عثمان تغيير الشرع تبديله وفي تفسير الثعلبي في قوله تعالى إن هذان لساحران قال عثمان إن في المصحف لخنا واستقبحه العرب بألسنتهم فقيل له ألا تغييره فقال دعوه فلا يحلل حراما ولا يحرم حلالا وفي صحيح مسلم أن رجلا مدح عثمان فجثى المقداد على ركبتيه وكان رجلا ضخما فجعل يحثوا على وجهه الحصى مع أن المقداد كان عظيم الشأن كبير المنزلة حسن الرأي قال فيه رسول الله (ص) إنه قد مني قدا وهذا يدل على سقوط مرتبة عثمان عنده وإنه لا يستحق المدح مع أن الصحابة قد كان يمدح بعضهم بعضا من غير نكير انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ما ذكر إن عثمان كان يستهزئ بالشريعة فهذا كذب باطل لا دليل عليه وأما ما ذكر أنه أمر برجم المرأة ولم يسمع ما ذكره أمير المؤمنين (ع) فهذا لا يدل على أنه استهزاء بالشريعة وربما كان له فيها اجتهادا تقتضي رجمها فهو عمل بعلمه واجتهاده واختلاف المجتهدين لم يكن من باب الاستهزاء على الشريعة وما ما ذكره من أمر متعة الحج فهذا محل الاختلاف وكل عمل باجتهاده ولا اعتراض للمجتهد على المجتهد وأما إنه صلى في المنى أربعا فقد اعترضوا عليه حين اجتمع عليه أهل الأمصار فأجاب أن رسول الله (ص) وأبو بكر وعمر كانوا إذا حجوا لم يكن لهم بمكة بيوت ومنازل ولم يكونوا عازمين على السكون وإني كان لي منازل وبيوت في مكة فنويت الإقامة في تلك الأيام فأتممت الصلاة لأن مكة كان منزلي ووطني وأما عدم تصحيح لفظ القرآن لأنه كان يجب عليه متابعة صورة الخط وهكذا كان مكتوبا في المصاحف ولم يكن التغيير له جايزا فتركه لأنه لغة العرب وأما عمل مقداد وحثوه الحصى على وجه مادح عثمان فلأن رسول الله (ص) قال احثوا على وجه المداحين التراب فعمل مقداد بالحديث وربما كان المادح طاعنا في المدح فحثى على وجهه الحصى لأن عمله كان منافيا للسنة انتهى وأقول من العجب أن الشيعة إذا طعنوا على عمر كما مر بأنه كان يخطأ في أحكام الشريعة ويرجع عن حكمه بعد إشارة أمير المؤمنين (ع) أو غيره إلى خطائه يجيب هذا الناصب المحيل بأن الأئمة المجتهدين قد يعرض لهم الخطأ في الأحكام لغفلة أو نسيان والعلماء وأرباب الفتوى يرجعونهم إلى حكم الحق ولهذا يستحب للحاكم أن يشاور العلماء ولا يحكم إلا بمحضر أرباب الفتوى ثم يرجع عن ذلك ههنا ويجعل عثمان معذورا في اجتهاده وحكمه الباطل وإصراره فيه وعدم سماعه لما أرشده إليه أمير المؤمنين (ع) بنص الكتاب من غير إتيانه في مقابل ذلك بشئ من الجواب وتركه لما قرر من استحباب مشاورة العلماء نيل الصواب أو إخلاله بما أمر به من اتقاء مواضع التهم والارتياب وأما ما ذكره من أن عثمان عمل في متعة الحج باجتهاده فعلى تقدير تسليم كونه من أهل الاجتهاد كان يجب عليه عند نسبة أمير المؤمنين (ع) إياه إلى مخالفة السنة ومظنة أن يذكر الدليل الذي جره إلى اجتهاده الباطل حتى يدفع عن نفسه مخالفة السنة ومظنة استهزائه بالشريعة وعدم مبالاته بمتابعة أحكام الدين وأما ما ذكره في عدم إتمام عثمان لصلاته في مكة فالتمحل فيه ظاهر أما أولا فلأنه ذكر في متن الرواية المذكورة أن عثمان كان يصلي في صدر خلافته ركعتين فلو كان وجه إتمامه وجود البناء والملك له في مكة دون عدم مبالاته بالدين بعد استقلاله في الحكومة لكان مخطأ مقصرا فيما فعله أولا من القصر وأما ثانيا فلأن ما اخترعه الناصب عن لسان عثمان من أنه قاله في جواب الصحابة إنه لم يكن لأبي بكر وعمر بمكة بيوت فكذبه ظاهر لأن أبا بكر مع ما نسبوا إليه من كثرة الأموال كيف يمكن أن لا يكون له بيت في مكة وكذا الكلام في عمر فإنه على زعمهم كان من صناديد مكة ولعل الناصب أراد إصلاح هذا الكذب بقوله ولم يكونوا عازمين على السكون في مكة وفيه ما فيه إذ قد ذكر في روضة الأحباب وغيره أن عمر سكن في مكة مرة عشرين يوما ومرة ثانية أربعين يوما وهل يقول غير المعاند المتمحل أن عمر مع سكونه طول هذه الأيام لم يكن عازما لإقامة العشرة اللهم إلا أن يقال حاله في ذلك كان حال ما نوينا إقامة الدنيا فليضحك أولياؤه قليلا وأما ما ذكره في إصلاح إطلاق عثمان اللحن على القرآن فلا تصدر إلا عن محجوج مبهوت فإن المصنف اعترض على عثمان بأنه أطلق على القرآن اشتماله على اللحن المذموم المختل بالفصاحة وهذا الناصب يغمض العين عن جواب هذا الذي هو محط الطعن ويتعرض لوجه ترك عثمان لتغييره وإصلاحه بقوله دعوه إلى آخر وما أشبه جوابه هذا بما أجيب به أهل خراسان عمدا عن سؤال أهل ما وراء النهر بأن النبال إذا أراد استعلام استقامة النبل واعوجاجه لم يغمض إحدى عينيه وبأن الطير المسمى باللؤلؤ إذا قام لم يرفع إحدى رجليه فأجاب أهل خراسان بأن النبال إنما يغمض إحدى عينيه لأنه لو أغمض العين الأخرى لا يرى شيئا والطير المذكور إنما يرفع إحدى رجليه لأنه لو رفع الرجل الأخرى لسقط على الأرض فليضحك أولياؤه كثيرا ومن العجب أن عثمان صرح بأن تلك العبارة من القرآن لا يقبل الاصلاح وإنه لا حاجة إلى إصلاحه لعدم تحليله حراما وتحريمه حلالا وهذا الناصب المرواني الذي غلب عليه هوأ عثمان لما علم أن ما قاله عثمان طعن لا مدفع له عدل عن دفعه عنه وقال تركه لأنه كان لغة ببعض العرب فإن كونه لغة بعض العرب هو الوجه الذي ذكره العلماء لدفع وهم عثمان لا لدفع الطعن عنه وإني يندفع الطعن عنه بذلك ولو كان عثمان عالما بموافقة ذلك للغة بعض العرب كيف صح له مع كثرة حيائه عند القوم أن لا يستحي من الله ويطلق على بعض كلماته التامات إنه لحن وخطأ في القول مع ظهور أن بعض ألفاظ القرآن وارد على لغة قريش وبعضها على لغة بني تميم وبعضها على لغة غيرهم وأما ما ذكره في توجيه حثو المقداد الحصى على مادح عثمان فوهنه ظاهر أما أولا فلأن مدح حسان وكعب بن زهير وغيرهما للخلفاء كان أمرا مستمرا شايعا فلو كان مقداد في ذلك عاملا بالحديث الذي ذكره الناصب لعمل به عند استماع مدح غيره ولو كان لنقل كما نقل هذا وأما ثانيا فلأن موافقة حديث النبي (ص) يقتضي حثو التراب لا حثو الحصى والرجم بالحجر كما فعله مقداد (رض) وأما ثالثا فلأن ظاهر حال مادح عثمان خصوصا بعد شيوع الدين وتقرر أحكام القرآن وسنة سيد المرسلين أن لا يأتي في المدح بما ينافي الكتاب والسنة وأن يمدحه بما يستحقه عند أوليائه من كونه إمام الهدى وخليفة رسول الله (ص) ووهاب الألوف من بيت المال إلى ذوي أرحامه ونحو ذلك لا بكونه إلها أو نبيا أو بكونه من الفراعنة أو الأكاسرة والقياصرة فإساءة الظن بحال المسلم المادح لعثمان اقتداء بطريق الشيعة الذين لا يحسنون الظن بغير من ثبت عصمته أو عدالته فيلزم الناصب جمعه بين النصب والرفض وهذا محال اللهم إلا أن يقال إن ارتكاب هذا القدر من الرفض عند ضيق الخناق سهل قال المصنف رفع الله درجته ومنها جرأته على رسول الله (ص) روى الحميدي في تفسير قوله تعالى ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا قال السدي لما توفي أبو سلمة وعبد الله بن حذافة وتزوج النبي (ص) امرأتهما أم سلمة وحفصة قال طلحة وعثمان أينكح محمد نساءنا إذا متنا ولا تنكح نسائه إذا مات والله لو قد مات أجبنا على نسائه بالسهام وكان طلحة يريد عايشة وعثمان يريد أم سلمة فأنزل الله تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله (ص) ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما وأنزل أن تبدوا أشياء أو تخفوه وأنزل إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول إن صح ما رواه فإنهم كانوا لا يعلمون أن أزواج النبي (ص) لا ينكحن بعده ومن عادة العرب إن تكلموا في النساء وفي التزويج بعد الرجال مثل هذا وليس فيه قصد إيذاء النبي (ص) بل ذكروا أن هذا الكلام على سبيل عادة كلام العرب فأعلمهم تعالى
Página 259