عبد الله بن مسعود حضر موت أبي ذر ولا دفنه فدليل على جهله بالتواريخ وإن كل ما ينسبه إلى التواريخ إنما هو فرية عليها من غير أن رأى شيئا فيها وذلك لأن من أعاظم العلماء العارفين بأحوال صاحب الاستيعاب المشهور بين الناى وهو قد صرح في ترجمة أبي ذر بالرواية الدالة على ذلك حيث قال خرج أبو ذر بعد وفاة أبي بكر إلى الشام فلم يزل بها حتى ولي عثمان ثم استقدمه عثمان بشكوى معاوية وأسكنه الربذة فمات بها وصلى عليه عبد الله بن مسعود صادفه وهو مقبل من الكوفة مع نفر فضلا من أصحابه منهم حجر بن أدبر ومالك بن الحارث الأشتر وفتى من الأنصار دعتهم امرأته إليه فشهدوا موته وغمضوا عينه وغسلوه وكفنوه في ثياب الأنصار انتهى وذكر ههنا خبران آخران صريحان في حضور ابن مسعود للصلاة عليه فليطالع ثمة حتى يظهر أن المفتري هو الشيعة أو الناصبة قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه أقدم على عمار بن ياسر بالضرب حتى حدث به فتق وكان أحد المتظلمين من أهل الأنصار على قتله وكان يقول قتلناه كافرا وسبب قتله إنه كان في بيت المال بالمدينة سقط فيه حب جوهر فأخذ منه عثمان فحلى به أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه بالردي حتى أغضبوه فقال لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن زعمت أنوف أقوام فقال أمير المؤمنين (ع) إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه فقال عمار أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك فقال عثمان على بابن سمية خذوه ودخل عثمان فدعا به وضربه حتى غشي عليه ثم أخرج فحمل حتى أدخل به منزل أم سلمة فلم يصل الظهر والعصر والمغرب فلما أفاق توضأ وصلى وكان المقداد وعمار وطلحة والزبير وجماعة من أصحاب رسول الله (ص) كتب كتابا عددوا فيه أحداث عثمان وخوفوه به وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع فجاءه عمار به فقراه منه سطرا قال أعلي تقدم من بينهم ثم أمر غلمانه فمدوا بيده ورجليه ثم ضربه عثمان على مذاكيره فأصابه فتق وكان ضعيفا كبيرا فغشي عليه وكان عمار يقول دايما ثلاثة يشهد على عثمان بالكفر وأنا الرابع ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقيل لزيد بن أرقم بأي شئ كفرتم عثمان فقال بثلث جعل المال دولة بين الأغنياء وجعل المهاجرين من أصحاب رسول الله (ص) بمنزلة من حارب الله ورسوله وعمل بغير كتاب الله وكان حذيفة يقول ما في عثمان بحمد الله أشك ولكني أشك في قاتله لا أدري أكافر قتل كافرا أم مؤمن خلص إليه الفتنة حتى قتله هو أفضل المؤمنين إيمانا مع أن النبي (ص) كان يقول عمار جلدة ما بين العين والأنف وقال ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وقال من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله وأي ذنب صدر من عمار وأي كلام غليظ وقع منه استوجب به هذا الفعل وقد كان الواجب إقلاع عثمان بما كان يؤخذ عليه فيه أو يعتذر بما يزيل الشبهة عنه انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ذكر في هذا الفصل من المزخرفات ما يشهد السماء والأرض على كذبه وضرب عمار بن ياسر مما لا رواية به في كتاب من الكتب ونحن نقول في جملته إن هذه الأخبار وقايع عظيمة يتوفر الدواعي على نقلها وروايتها أترى جميع أرباب الروايات سكتوا عنه إلا شرذمة يسيرة من الروافض ولقد صدق مأمون الخليفة حيث قال أربعة في أربعة الزهد في المعتزلة والمروة في أصحاب الحديث وحب الرياسة في أصحاب الرأي والكذب في الروافض وكذب ما ذكره بين ولم لم ينسب هذه المزخرفات التي لا يجري فيه تأويل البتة إلى صحاحنا مع أنه يدعي أنه روى كل شئ من صحاحنا ثم ما ذكره من كلام حذيفة وزيد بن أرقم في تكفير عثمان بعد قتله فنقول اتفق جميع أرباب التواريخ أن عثمان في الليلة التي قتل صبيحتها ما ختم القرآن في الركعتين فلما فرغ من صلاة الصبح أخذ يقر من المصحف فلما قتلوه وقسع قطرة دمه على قوله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم أترى حذيفة وزيد بن أرقم يكفران من هذه عبادته ثم إنهم سمعوا من رسول الله (ص) على المنبر يكرر مرارا ما على العثمان ما فعل بعد اليوم فعلم أن كل ما ذكره في تكفيره كذب صراح عاقبه الله بكذبه على الخلفاء انتهى وأقول قد تقدم أنه أشار إلى قصة عمار مؤلف روضة الأحباب وصرح به موافقا لما رواه المصنف أعثم الكوفي في كتاب الفتوح وهو غير متهم في دين أهل السنة كما يظهر من مطالعة كتابه وهو الذي قال في بعض مواضع كتابه إن ههنا أخبارا وروايات صحيحة لم أذكرها لئلا يتخذها الشيعة حجة علينا وبالجملة المزخرفات لا يوجد إلا في كتب أهل السنة والجماعة والمصنف إنما ينقل من هناك كما يشهد به السماء والأرض وفضلا عن الفاضل العالم بالنقل ولم تدع المصنف أنه يقتصر فيما يذكره على النقل من الكتب الذي سموها بالصحاح وإنما ادعى النقل عن كتبهم سواء سموها بالصحاح أو سكتوا عن تسميتها بها وقد عرفت حقيقة الكتب التي سموها بالصحاح مرارا فتذكر نعم نقل المزخرفات من صحاحهم السقيمة أولى لكن إنما لم يفعل المصنف ذلك لأن وضع تلك الصحاح على ذكر الموضوعات على رسول الله (ص) قولا أو فعلا وما أحدثه عثمان بعد رسول الله (ص) لا يمكن وضعه على رسول الله (ص) حتى يوضع فيها بل يذكر مثل هذا في تواريخهم وسيرهم كتاريخ البخاري والطبري وابن الجوزي وابن كثير واليافعي والجزري وأمثالهم ولو أمكنهم وضع مثل ذلك في صحاحهم أيضا بحيث لا يطلع الخصم على فساده لما قصروا في وضعه كما وضعوا على رسول الله (ص) إخباره عن قتل عثمان مظلوما ثم لم يكتفوا بذلك حتى زادوا عليه تتمة حكم الذهبي بكذبه كما سيأتي إن شاء الله تعالى وأما ما نقله عن المأمون من أنه قال الكذب في الروافض فلو صح كان مراده من الروافض جماعة من الزيدية أو الأشاعرة أو ساير أهل السنة والجماعة لأنهم الرافضون للحق لا الشيعة الإمامية كيف والمأمون من ملوك الشيعة وعلمائهم وممن علم بالدليل أن الخلافة حق علي (ع) وأولاده ولهذا أراد أن ينقل الخلافة إلى الإمام الهمام علي بن موسى الرضا (ع) وممن صرح بتشييع مأمون من ثقات أهل السنة الشيخ عماد الدين ابن كثير الشامي في تاريخه ويؤيده ما ذكره اليافعي في ترجمة يحيى بن أكثم القاضي من تاريخه بأن المأمون عبر عن عمر بن الخطاب بالجعل عند الرد عليه في نهيه عن حل المتعة فلتطلب ذلك في تاريخها حتى يأتيك اليقين وأما ما ذكره من اتفاق جميع أرباب التواريخ على أن عثمان في الليلة التي قتل صبيحتها ختم القرآن في الركعتين إلى آخره فباطل موضوع كسابقه وقد صرح الذهبي بوضعه ونقل عنه ذلك ابن حجر في صواعقه ثم قال وأما إخباره (ص) بقتله فصحيح انتهى وأما عبارته في تلك الليلة لو صحت فقد كانت كإيمان فرعون عند الغرق ولنعم ما قال له محمد بن أبي بكر
Página 254