الدال لا بتشديده بمعنى المبتدع في الدين وبدع عمر من أداء صلاة التراويح جماعة ونحوها مما سيذكره المصنف في مطاعن عمر كثير فانتظر قليلا وما ما ذكره من مشورته (ص) في قصة أسارى بدر وإن القرآن نزل على اختيار قول عمر فقد قدمنا الإشارة إلى أنه لا يجوز أن يظن أحد مع الرسل سيما رسول الله (ص) أنهم يستعملون آراءهم وتدبيرهم دون تدبير الله تعالى وأمره وإنما هم يصيرون عن أمر الله ونهيه وتدبيره في وجوه متصرفاتهم من حرب إلى سلم إلى تقديم إلى تأخير إلى غير ذلك ومن كان الله مدبره ومختارا له في متصرفاته كان مستغنيا عن مشاورة رعيته وتدبيره معهم وهذا ما لا يجوز أن يظنه ذو فهم في رسول ولا نبي ولا حجة لله يحتج بها على عباده فمشورته (ص) مع أصحابه في أسارى بدر وغير ذلك من الأمور كان لاختبار حالهم واستعلام بواطنهم من خلوص الوداد وشوايب الفساد ولما أشار النبي (ص) على الوجه المعهود إلى الأصحاب في تلك الأسارى أشار إليه جماعة منهم أبو بكر بالفداء وجماعة أخرى منهم عمر بالقتل وإنما يظهر كون الآية نازلة له في تحسين عمر واختيار قوله بخصوصه لو كان منفردا فيما اختاره وليس فليس ولو سلم فإن كان في ذلك مدح لعمر ففيه قدح لأبي بكر فلا يجدي استراحة الناصب في أبو بكر وههنا كلام آخر للسيد المرتضى قدس سره وحاصله أن ما أشار إليه عمر إنما كان موافقا لأصل الوحي السابق الذي خالفه الأصحاب بارتكاب الأسرى أعني قوله تعالى فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان فبعد ما خالفوا وارتكبوا الأسر تغيرت المصلحة وكان استبقاؤهم أولى والنبي (ص) لم يعمل برأي أبي بكر إلا بعد أن وافق ما نزل الوحي به عليه وعلى هذا تنعكس القضية لأن رأي عمر لم يوافق الوحي الثاني الذي وقع عليه القرار وإنما وافق الوحي الأول الذي خالفوه ولأجله وقع العتاب والله أعلم بالصواب وأما ما ذكره الناصب من أنه لما توفي رسول الله (ص) كان يوافق أبا بكر في تهيئة الجيوش وإقامة مراسم الدين إلى آخره فمردود بمخالفة عمر لأبي بكر في قتال مانعي الزكاة وغير ذلك نعم كان موافقا له في عصب الخلافة وأخذ فدك وساير ما ظلموا به أهل البيت (ع) وأما فتح البلاد فإنما كان بإشارة علي (ع) وتدبيره وفي هذا المنع سر آخر لا يخفى على المتأمل وأما قوله لولا عمر لم يكن قواعد الإسلام والسنة قائمة ففيه أن إقامة قواعد الإسلام والسنة إنما يكون بالعلم بأحكامهما وقد عرفت جهل عمر بهما نعم كان يروج بعض القواعد تقليدا ودفعا للتهمة وحفظا لسلطنته المحبوبة له وأما قوله إن سيرته في الخلافة غنية عن الذكر والتعريف فمسلم لكن في إعطائه الولاية للفساق كمغيرة بن شعبة ونحوه حتى لا يخرجوا عليه ويتمشى أمر خلافته ولهذا كان عبد الرحمن بن عوف يطلب البيعة عن علي (ع) بشرط أن يعمل معهم بسيرة الشيخين وامتنع (ع) عن ذلك لما عرف من ضلال سيرتهما حتى عدلوا عنه إلى عثمان وخذلوا عليا (ع) وأما عدم تغير عمر عما كان في زمان رسول الله (ص) من عدم الظلم على أعيان الأمة فمسلم إلا على أهل البيت (ع) كما روي عن مولانا الصادق (ع) أنه لما سئل عنه لماذا كان الخلق يميلون على أبي بكر وعمر دون عثمان فأجاب (ع) بأنهما كانا عادلان بالنسبة إلى جمهور الخلايق إلا بالنسبة إلى أهل بيت النبي (ص) وأما عثمان فكان ظلمه علما فلهذا اتفقوا على قتله هذا ما حضر لنا في إبطال ما ذكره في فضايل عمر وسيأتي إن شاء الله تعالى في إبطال ما ذكره لإصلاح مطاعنه لما يلوح عليه مرافقة التوفيق وإصابة الحق بالتحقيق وبالله التوفيق وهو خير صاحب ورفيق قال المصنف رفع الله درجته المطلب الثاني في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطاب نقل الجمهور عن عمر مطاعن كثيرة منها قولهم عن النبي (ص) لما طلب في حال مرضه دواة وكتفا ليكتب فيه كتابا لا يختلفون بعده وأراد أن ينص حال موته على ابن عمه علي (ع) فمنعهم عمر وقال إن نبيكم ليهجر فوقعت الغوغاء فاختلفوا وضجر النبي (ص) فقال أهله لأنه لا ينبغي عند النبي (ص) هذه الغوغاء فاختلفوا فقال بعضهم احضروا ما طلب ومنع آخرون فقال النبي (ص) أبعدوا هذا الكلام في صحيح مسلم وهل يجوز مواجهة العامي بمثل هذا السفه فكيف بسيد المرسلين انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول هذا الحديث مذكور في الصحاح ولكنه الحق شيئا وغيره والصحيح أنه لما طلب رسول الله (ص) الدواة والكتف قال عمر إن رسول الله (ص) قد غلبه الوجع وعندنا كتاب الله فقال بعضهم احضروا ما طلب وقال بعضهم لا تحضروا ووقع الاختلاف فقال رسول الله (ص) قوموا عني فلا ينبغي عندي التنازع وأما قوله أن نبيكم ليهجر فليس في البخاري وإن سلمنا صحة الرواية فالهجر هو الكلام الذي يقوله المريض فيكون المعنى موافقا لما هو في بعض الصحاح والمراد أنه يتكلم بكلام المرضى وهو متوجع فلا أسأت أدب في هذا وأما منع عمر عن كتابة الكتاب فقال العلماء إن عمر خاف أن يكتب رسول الله (ص) شيئا لا يفهمه المنافقون لغلبة وجعه فيقع الاختلاف بين المسلمين وقال بعضهم إن رسول الله (ص) تكلم بكلام المرضى لا أنه يريد الكتابة كما يقول المريض ناولوني فلانا وفلانا وهو لا يريد والأول أظهر لأن عمر في أيام صحة رسول الله (ص) كثيرا ما كان يقول به افعل فلانا ولا تفعل فلانا وكان رسول الله (ص) يوافقه في رأيه فكان له هذا المنصب والمقام عند رسول الله (ص) أيام الصحة فجرى على عادته لأن الكتابة لم يكن من رأيه كما ذكرنا ومن علم أحوال عمر مع رسول الله (ص) طول صحبته لم يتعجب من هذا ثم ما ذكر أنه أراد أن ينص حال موته على خلافة علي (ع) فهذا من باب الإخبار بالغيب ولم لا يريد أن ينص بخلافة أبي بكر وقد وافق هذا ما روينا عن عايشة أنه قال ادعي لي أبا بكر أباك حتى أكتب له كتابا ثم هذا مناقض لما ادعاه من النص في هذا الفصل بإمامة عمر فلم يأت إلا بالهذيان والهذر فإن عبارة الحديث في صحيح مسلم واقع على الوجه الذي نقله المصنف ولفظ هجر أيضا مذكور في صحيح البخاري غاية الأمر أنه أبهم في ذكر قائله لمصلحة ظاهرة فلينظر المتأمل في أطراف الكلام أن المصنف قدس سره يصرح ويقول إن هذا الكلام في صحيح مسلم وهذا الشقي المحيل يتجاهل ويقول في الجواب أنه قوله إن نبيكم ليهجر ليس في البخاري ثم إن الشيخ ابن الحجر العسقلاني في مقدمة شرحه للبخاري موافقا لما في كتب اللغة المتداولة أن الهجر هو الهذيان ويطلق على كثرة الكلام الذي لا معنى له انتهى وهذا الناصب الشقي يحتال في تفسيره بكلام المرضى تفسيرا بلازم لا يكون صريحا في معنى الهذيان حتى يتأتى له أن يقول ليس فيه إساءة أدب من عمر مع أن الآن كما كان فإن قولنا فلان يتكلم بكلام المرضى معناه في متفاهم العرف أنه يهذي ويهجر فعاد إساءة الأدب عضا طريا ثم كيف يظن في شأن النبي (ص) يهذو ويتكلم بكلام غيره من المرضى مع ما ورد في شأنه من قوله تعالى ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ومع ما ذكر في المشكاة وغيره أنه (ص)
Página 234