محصور من المسلمين وهم غزاة يوم بدر فأمكن الاستيهاب منهم بخلاف فدك فإنه كان صدقة مشتركة بين ساير المسلمين الغير المحصورين قلت لو سلم كثرة المسلمين الموجودين في صدر خلافة أبي بكر وقبل فتح البلاد وبسط الإسلام كثرة لا تدخل تحت ضبط أبي بكر فنقول من البين إن تلك الصدقة لم يكن صدقة واجبة محرمة على أهل البيت (ع) بل إنما كانت الصدقة المستحبة المباحة عليهم أيضا والصدقة المستحبة مما يجوز للإمام تخصيصها ببعض المسلمين دون بعض كما روى من سيرة الثلاثة سيما عثمان من أنه أعطى حكم بن العاص طريد رسول الله (ص) ثلث مال إفريقية وقيل ثلثين ألفا فلو كان أبو بكر في مقام التكرم مع أهل البيت سيد الأنام لخص فدكا بفاطمة (ع) ولما جوز إيذاها المستعقب للطعن والملام إلى يوم القيامة والذي يدل على استحباب تلك الصدقة إن من جملة تركة النبي (ص) السيف والدرع والعمامة والبغلة فلو كانت تركة النبي (ص) صدقة واجبة لكان كل ذلك داخلا في التركة معدودا من الصدقة الواجبة حراما على أمير المؤمنين (ع) فكيف جاز لهم ترك ذلك عنده وكيف استحل أمير المؤمنين (ع) التصرف في ذلك مع علمه بأنه مما حرمه الله عليه وأيضا يدل عليه ما رواه جماعة منهم ابن حجر المتأخر في صواعقه من أن العباس رافع عليا إلى أبي بكر في مطالبته بالميراث عن رسول الله (ص) من الدرع والبغلة والسيف والعمامة وزعم أنه عم رسول الله (ص) وأنه أولى بتركة النبي (ص) من ابن العم فحكم أبو بكر بها لعلي (ع) وكذا يدل عليه ما رواه جلال الدين السيوطي الشافعي في تاريخ الخلفاء من أن فدكا كان بعد ذلك حياة أبي بكر ثم عمر ثم اقتطعها مروان وأن عمر بن عبد العزيز قد رد فدكا إلى بني هاشم انتهى وأنت خبير بأن جعل أبي بكر وعمر فدكا حبوة لأنفسهما دون ساير المسلمين كما ذكره السيوطي يدل على أنهما لو أرادا إعطاءها لفاطمة (ع) لما نازعهما أحد من المسلمين ولما توجه إليهما حرج في الدنيا والدين لكن غلبتهم العصبية وملكتهم الحمية الجاهلية فراموا بذلك الغصب والظلم فقر أهل البيت وهضم كوكتهم وانقضاض مواليهم وتشتت أشياعهم من حواليهم ليأمنوا بذلك على خلافتهم الباطلة هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله (ص) حتى ينفضوا و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ثم إن ههنا حكاية مناسبة لهذا المقام فلا بأس علينا لو أطلنا بذكرها الكلام وهي أن يحيى بن خالد البرمكي سأل عن هشام بن الحكم من تلامذة الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق (ع) بحضرة هارون الرشيد فقال خبرني يا هشام عن الحق هل يكون في جهتين مختلفتين قال هشام الظاهر لا قال فخبرني عن نفسين اختصما في حكم في الدين وتنازعا واختلفا هل يخلوا من أن يكون محقين أو مبطلين أو أن يكون أحدهما محقا والآخر مبطلا فقال هشام لا يخلو من ذلك قال له يحيى بن خالد فخبرني عن علي والعباس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل إذ كنت لا تقول إنهما كانا محقين ولا مبطلين قال هشام فنظرت فإذا إنني إن قلت إن عليا (ع) كان مبطلا كفرت وخرجت عن مذهبي وإن قلت إن العباس (ره) كان مبطلا ضرب الرشيد عنقي ووردت علي مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك الوقت ولا أعددت لها جوابا فذكرت قول أبي عبد الله (ع) وهو يقول يا هشام لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك فعلمت أني لا أخذل وعن لي الجواب في الحال فقلت له لم يكن لأحدهما خطأ حقيقة وكانا جميعا محقين ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود (ع) حيث يقول الله عز وجل وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسورا المحراب إلى قوله خصمان بغى بعضنا على بعض فأي الملكين كان مخطيا وأيهما كان مصيبا أم تقول إنهما كانا مخطين فجوابك في ذلك جوابي بعينه فقال يحيى لست أقول إن الملكين أخطأ بل أقول إنهما أصابا وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختصما في الحقيقة وإنما أظهرا ذلك لينبها دار دعر في الخطيئة ويعرفاه الحكم ويوقفاه عليه قال قلت له كذلك علي عليه السلام والعباس رضي لم يختلفا في الحكم ولا اختصا في الحقيقة وإنما أظهر الاختلاف والخصومة ولينبها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطأ ويدلا على مالهما في الميراث ولم يكونا في ريب من أمرهما وإنما كان ذلك منهما على حد ما كان من الملكين فاستحسن الرشيد ذلك الجواب قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه طلب هو وعمر بن الخطاب إحراق بيت أمير المؤمنين (ع) وفيه أمير المؤمنين (ع) وفاطمة وابناهما وجماعة من بني هاشم لأجل ترك مبايعة أبي بكر ذكر الطبري في تاريخه قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي (ع) فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن للبيعة ذكر الواقدي أن عمر جاء إلى علي (ع) في عصابة فيهم أسيد بن الحصين وسلمة بن أسلم فقال اخرجوا ليحرقنها عليكم ونقل ابن خزامة في غرره قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه قال وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) وجماعة من أصحاب النبي (ص) فقالت فاطمة تحرق على ولدي قال إي والله أو ليخرجن وليبايعن وقال ابن عبد ربه وهو من أعيان السنة فأما علي والعباس فقعدا في بيت فاطمة وقال له أبو بكر إن أبيا فقاتلهما فاقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما النار فلقيته فاطمة فقالت يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا قال نعم ونحوه روى مصنف كتاب المحاسن وأنفاس الجواهر فلينظر العاقل من نفسه هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء إن كان هذا نقلهم صحيحا عن أئمتهم وإنهم قصدوا بيت النبي (ص) لإحراق أولاده على شئ لا يجوز فيه هذا الانتقام ولا يحل بسببه هذه العقوبة مع مشاهدتهم تعظيم النبي (ص) لهم وكان ذات يوم يخطب فعبر الحسن (ع) وهو طفل صغير فنزل من منبره وقطع الخطبة وحمله على كتفه وأصعده المنبر ثم أكمل الخطبة وبال الحسين (ع) يوما في حجره وهو صغير فزعقوا به فقال (ع) لا تزرموا على ولدي بوله مع أن جماعة أخرى لم يبايعوا فهلا أمر بقتلهم وبأي اعتبار وجب الانقياد إلى هذه البيعة والنص غير دال عليها ولا العقل فهذا بعض ما نقله السنة من الطعن في أبي بكر والذين فيه الرواة من السنة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول من اسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر وهو إحراق عمر بيت فاطمة وما ذكر أن الطبري ذكره في التاريخ فالطبري من الروافض مشهور بالتشيع حتى أن علماء بغداد هجروه لغلوه في الرفض والتعصب وهجروا كتبه ورواياته وأخباره وكل من نقل هذا الخبر فلا يشك أنه رافضي متعصب يريد ابدأ القدح والطعن على الأصحاب لأن العاقل المؤمن الخبير بأخبار السلف ظاهر عليه أن هذا الخبر كذب صريح وافتراء بين لا يكون أقبح منه ولا أبعد من أطوار السلف وذلك بوجوه سبعة الأول أن بيت فاطمة كانت متصلا ببيوت أزواج النبي ومتصلا بالمسجد وقبر النبي (ص) وهل كان عمر يحرق بيوت النبي والمسجد والقبر المكرم نعوذ بالله من هذا الاعتقاد الفاسد لأن بيوتهم
Página 228