إنما نقاتلهم على الصلاة وهو الذي عبد الله تعالى حق عبادته حيث قال والله ما عبدتك خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنتك ولكن رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول عبادة أمير المؤمنين لا يقارنه العابدون ولا يدانيه الزاهدون الملائكة عاجزون عن تحمل أعبائها وأهل القدس معترفون من بحار صفاتها وكيف لا وهو من أعرف الناس بجلال القدس وجمال الملكوت وأعشق النفوس إلى وصال عالم الجبروت وأما ما ذكر أنه عبد الله حق عبادته فهذا لا يصح لأن النبي (ص) قال مع كمال العبادة ما عبدناك حق عبادتك واتفق العارفون أن الله لا يقدر أحد أن يعبده حق عبادته والدلايل على هذا مذكورة في محاله انتهى وأقول كلام المصنف صريح في أنه أراد أن عليا (ع) عبد الله تعالى حق عبادته من الوجه الخاص حيث جعل قوله قال ما عبدتك خوفا من نارك الخ تفسيرا وتعليلا لذلك ولم يرد أنه (ع) عبده حق عبادته من جميع الوجوه كما وكيفا أنواعا وأشخاصا على أن ذلك ليس ببعيد صدوره منه (ع) على قياس ما ذكره ابن حجر المتأخر في رسالته الموسومة بخيرات الحسان من أنه لما حج أبو حنيفة دخل الكعبة وقال يا رب عرفتك حق معرفتك وما عبدتك حق عبادتك الخ فإذا قال أبو حنيفة عرفتك حق معرفتك من مع نسب إلى النبي (ص) سبحانك ما عرفناك حق معرفتك أمكن للمصنف قدس سره أن يدعي لعلي (ع) عبادته تعالى وإن كان المراد العبادة اللايقة بشأن صنفه من الأولياء فتأمل قال المصنف رفع الله درجته المطلب الثاني في الجهاد إنما تشيدت مباني الدين وأثبتت قواعده وظهرت معامله بسيف مولانا أمير المؤمنين (ع) وتعجبت الملائكة من شدة بلائه في الحرب ففي غزوة بدر وهي الداهية العظمى على المسلمين وأول حرب ابتلوا بها قتل صناديد قريش الذين طلبوا المبارزة كالوليد بن عتبة والعاص بن سعيد بن عاص الذي أحجم المسلمون عنه ونوفل بن خويلد الذي قرن أبا بكر وطلحة بمكة قبل الهجرة ووثقهما بحبل وعذبهما وقال رسول الله (ص) لما عرف حضوره في الحرب اللهم اكفني نوفلا ولما قتله علي (ع) قال رسول الله (ص) الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه ولم يزل يقتل في ذلك اليوم واحدا بعد واحد حتى قتل نصف المقتولين وكانوا سبعين وقتل المسلمون كافة وثلاثة آلاف من الملائكة المسومين النصف الآخر وفي غزوة أحد انهزم المسلمون عن النبي (ص) ودمى رسول الله (ص) وصربه المشركون بالسيوف والرماح وعلي (ع) يدافع عنه فنظر إليه النبي (ص) بعد إفاقته من غشيته وقال ما فعل المسلمون فقال نقضوا العهد وولوا الدبر فقال اكفني أمر هؤلاء فكشفهم عنه وصاح صايح بالمدينة قتل رسول الله (ص) فانهلعت القلوب ونزل جبرئيل (ع) قايلا لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي وقال للنبي (ص) يا رسول الله لقد عجبت الملائكة من حسن مواساة علي لك بنفسه فقال النبي (ص) ما يمنعه عن ذلك وهو مني وأنا منه ورجع بعض الناس لثبات علي (ع) ورجع عثمان بعد ثلاثة أيام فقال النبي (ص) لقد ذهبت بها عريضا وفي غزاة الخندق أحدق المشركون بالمدينة كما قال الله تعالى إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم ونادى المشركون بالبراز فلم يخرج سوى علي (ع) وقد قتل أمير المؤمنين (ع) عمرو بن عبد ود قال ربيعة السعدي أتيت حذيفة اليمان فقلت يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن في (ع) ومناقبه فيقول أهل البصرة إنكم لتفرطون في علي فهل تحدثني بحديث فقال حذيفة والذي نفسي بيده لو وضع جميع أعمال أمة محمد (ص) في كفة الميزان منذ بعث الله محمد إلى يوم القيامة ووضع عمل علي (ع) في الكفة الأخرى لرجح عمل علي (ع) على جميع أعمالهم فقال ربيعة هذا الذي لا يقام له ولا يقعد فقال حذيفة يا لكع وكيف لا يحمل وإن كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب النبي (ص) يوم عمرو بن عبد ود وقد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا فإنه نزل إليه فقتله الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد (ص) إلى يوم القيامة وفي يوم الأحزاب تولى أمير المؤمنين (ع) قتل الجماعة وفي غزاة بني المصطلق قتل أمير المؤمنين (ع) ماكا وابنه وسبى جويرية بنت الحرث فاصطفاها النبي (ص) وفي غزاة خيبر كان الفتح فيها لأمير المؤمنين (ع) قتل مرحبا وانهزم الجيش بقتله وغلقوا باب الحصن ففاتحه أمير المؤمنين (ع) ورمى به وجعله جسرا على الخندق للمسلمين وظفروا بالحصن وأخذوا الغنايم وكان يقلبه سبعون رجلا وقال (ع) والله ما اقتلع باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية وفي غزاة الفتح قتل أمير المؤمنين (ع) الحويرث بن نفيل بن كعب وكان يؤذي النبي (ص) وقتل جماعة وكان الفتح على يده وفي غزاة حنين حيث استظهر النبي (ص) بالكثرة فخرج بعشرة آلاف من المسلمين فعانهم أبو بكر وقال لن نغلب اليوم من قلة فانهزموا بأجمعهم ولم يبق مع النبي (ص) سوى تسعة من بني هاشم فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين يريد عليا (ع) ومن ثبت معه وكان علي (ع) يضرب بالسيف بين يديه العباس عن يمينه والفضل عن يساره وأبو سفيان بن الحرث يمسك بسرجه ونوفل وربيعة ابنا الحرث وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب وقتل أمير المؤمنين (ع) جمعا كثيرا فانهزم المشركون وحصل الأسر وابتلى (ع) بجميع الغزوات وقتال الناكثين والقاسطين والمارقين وروى أبو بكر بن الأنباري في أماليه أن عليا (ع) جلس إلى عمر في المسجد وعنده ناس فلما قام عرض واحد بذكره ونسبه إلى التيه والعجب فقال عمر لمثله أن يتيه والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام وهو بعد أقضى الأمة وذو سابقها وذو شرفها فقال له ذلك القايل فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه فقال كرهنا على حداثة السن وحبه بني عبد المطلب وحمل سورة براءة إلى أهل مكة وكان النبي (ص) أنفذ بها أبو بكر فنزل عليه جبرئيل وقال إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك لا يؤديها إلا أنت أو أحد منك وفي هذه القصة وحدها كفاية في شرف علي (ع) وعلو مرتبته بأضعاف كثيرة على من لم يوثق على أدائها وهذه الشجاعة مع خشونة ما كله فإنه لم يطعم البر ثلاثة أيام بل كان يأكل الشعير بغير أدام يختم على جريشه لئلا يؤدمه الحسنان عليهما السلام وكان كثير الصوم كثير الصلاة مع شدة قوته حتى قلع باب خيبر وقد عجز عنه المسلمون وفضايله أكثر من أن يحصى انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ما ذكر من بلا أمير المؤمنين (ع) في الحروب مع رسول الله (ص) فهذا أمر لا شبهة فيه وكان في أكثر الحروب صاحب الظفر وهذا
Página 206