ومنها: أنه قد روى البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وغيرهم، قصة بدء الوحي(3)، ونزول { اقرأ باسم ربك الذي خلق } (4)، وهو أول ما نزل من القرآن على الأصح، وليس فيه ذكر البسملة، فلو كانت جزء منها لنزلت معها .? وأما رواية ابن جرير الطبري عن ابن عباس: ((أول ما أنزل جبريل
على رسول الله، قال: يا محمد استعذ، فقال: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال له: قل بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: { اقرأ باسم ربك } ...)) الحديث.
فضعيفة في إسنادها ضعف، وانقطاع كما في ((المواهب اللدنية )).
وبعد اللتيا والتي، نقول: أورد على أصحابنا أن ما ذكرتم من الأحاديث، وإن دلت على أنها ليست جزء منها، لكن ما ذكرناه من الأحاديث صريحة في أنها جزء، غاية ما في الباب أن تكون هي ضعيفة، وهو لا يضر، فإن بعضها متعاضد ببعضها، فهي محصلة للظن القوي بلا ريب، والمطلوب هاهنا الظن لا القطع .
وفقه المقام ما ذكره الشهاب في ((حواشي تفسيره البيضاوي))(1): من أن الاختلاف بين الحنفية والشافعية في هذا المقام مبني على الخلاف الأصولي، وهو أنه هل يكفي في ما نحن فيه الظن أم لا؟.
فاختارت الشافعية أن التواتر القطعي إنما يشترط في ما يثبت قرآنا على سبيل القطع، فأما ما يثبت قرآنا على سبيل الحكم، فيكفي فيه الظن، كما فيما نحن فيه، ومعنا كونه على سبيل الحكم، أن له حكم القرآن من الكتابة بين الدفتين ووجوب القراءة، كما حققه الغزالي وغيره من محققي الشافعية. وذهبت الحنفية إلى أن كل ما يسمى قرآنا، لا بد فيه من القطع، والتواتر في نفسه ومحله، كما في سورة النمل، وما بين السور ليس كذلك .
Página 47